مع الحدث: سيداتي بيدا
عضو الاتحاد الدولي للصحافة العربية
رغم الحدود الجغرافية التي تفصل بين المغرب وموريتانيا، إلا أن العلاقات بين الشعبين، خصوصًا في المناطق الصحراوية جنوب المملكة المغربية، تتجاوز المفهوم التقليدي للدول، لترسم صورة نادرة لمجتمع متجانس ثقافيًا ولغويًا واجتماعيًا، في مشهد يندر وجوده في مناطق أخرى من العالم.
يشكّل الفضاء الحساني الممتد من جنوب المغرب إلى عمق الأراضي الموريتانية وحدة ثقافية متميزة تُعرف باسم “مجتمع البيظان”، وهو مجتمع تشكّل عبر قرون من التداخل العائلي، والتواصل الثقافي، وتوارث اللغة والعادات والتقاليد.
تتميز منطقة الصحراء المغربية، وبالخصوص مدن مثل كلميم طانطان اسا العيون، السمارة، الداخلة، وبوجدور،… بتشابهٍ كبير مع المجتمع الموريتاني، حيث يسود اللسان الحساني كلغة يومية، ويُمارس التراث الحساني بنفس الطريقة والأسلوب، من الشعر، إلى الموسيقى، إلى اللباس وحتى الطقوس الاجتماعية المرتبطة بالأعراس والمناسبات الدينية.
تُعد علاقات المصاهرة أحد أبرز أوجه التقارب الاجتماعي بين شعوب هذه المنطقة. فمن الطبيعي أن تجد في الأسر الصحراوية أبً موريتاني وأمً صحراوية مغربية أو العكس ، دون أن يُشكّل ذلك أي نوع من الغرابة أو الاختلاف. فالعادات، واللهجة، والتقاليد، بل وحتى الشبه في الملامح والزي التقليدي (الدراعة والملحفة)، تجعل التمييز بين الطرفين شبه مستحيل.
هذه المصاهرات تعزز روابط الدم والانتماء، وتعمّق من الإحساس المشترك بالهوية، في ظل احترام متبادل وتاريخ طويل من التعايش والتفاهم.
لا يمكن الحديث عن العلاقات بين المغرب وموريتانيا دون التوقف عند اللغة الحسانية، التي تُعتبر لسان حال سكان المناطق الجنوبية المغربية وشرائح واسعة من الشعب الموريتاني. هذه اللهجة، الغنية بمفرداتها العربية الأصيلة، ليست فقط وسيلة للتواصل، بل وعاءٌ حضاري ينقل الشعر، والأمثال، والحِكم، ومرويات التاريخ الشفوي التي تُشكّل ذاكرة المنطقة.
وقد حرصت المملكة المغربية، من خلال مؤسساتها الثقافية، على الحفاظ على الموروث الحساني ودعمه، باعتباره جزءًا لا يتجزأ من الهوية الوطنية، كما تم دسترة هذا المكوّن في دستور 2011، تأكيدًا على غناه ودوره في الوحدة الثقافية المغربية.
على الصعيد الاقتصادي، يُعد المغرب الشريك الأكبر بمورينانيا في القارة الأفريقية حيث يشكل 50بالمئة من واردات موريتانيا وتتنوع الصادرات المغربية ما بين المواد الغذائيه والمنتوجات الزراعية والسلع المصنعة
كما يسجل حضوره واسع للشركات المغربية في السوق الموريتانية خصوصا في قطاع التجارة في الإتصالات والخدمات المالية .
تؤكد الروابط بين المغرب و موريتانيا ان التقارب الحقيقي ليس سياسيا فقط بل ثقافي واجتماعي وانساني في الاساس
و تعد منطقة الصحراء جنوب المغرب تجسيدا لهذا النموذج الحي لعلاقة شعوب توحدها اللغة والعادات والمصير المشترك.
تعليقات ( 0 )