ترميم الذات: حين يصبح الانكسار بذرة للنهضة

 

ترميم الذات: حين يصبح الانكسار بذرة للنهضة

✍️هند بومديان

في زوايا الروح المتصدعة، حيث تتراكم شظايا التجارب وتتناثر أحلام الأمس، يولد سؤال جوهري: هل يمكن للإنسان أن يعيد تشكيل ذاته بعد أن عصفت بها العواصف؟ وهل الترميم فعل ضعف أم إعلان قوة؟

الذات كمعمار داخلي

الذات ليست كيانًا جامدًا، بل هي معمار حيّ، يتكوّن من طبقات الوعي، والذاكرة، والقيم، والتجارب. وكما أن الجدران تتشقق بفعل الزمن، فإن النفس تتعرض لتصدعات بفعل الخيبات، الفقد، والخذلان. لكن الفرق الجوهري يكمن في أن ترميم الذات لا يحتاج إلى إسمنت، بل إلى صدق، شجاعة، وتأمل.

الترميم لا يعني العودة كما كنا

الترميم لا يسعى إلى استعادة النسخة القديمة من الذات، بل إلى خلق نسخة أكثر نضجًا، أكثر وعيًا، وأكثر قدرة على احتضان الألم دون أن تنكسر. إنه فعل مقاومة ضد التآكل الداخلي، وضد الاستسلام لندوب الماضي.

نحن لا نُرمم لنعود كما كنا، بل لنصبح ما لم نكن نجرؤ أن نكونه.

أدوات الترميم: من أين نبدأ؟

– الاعتراف بالانكسار: أول خطوة نحو الترميم هي الاعتراف بأن هناك ما يستحق الإصلاح. الإنكار يطيل عمر الألم، بينما الاعتراف يفتح باب التحول.
– الكتابة والتأمل: الكتابة ليست ترفًا، بل أداة جراحية تزيل الصدأ من الذاكرة. التأمل يعيد ترتيب الفوضى الداخلية.
– العودة إلى الجذور: في لحظات الترميم، نحتاج أن نعود إلى ما يمنحنا المعنى: قصيدة، لحن، دعاء، أو لحظة صمت مع الذات.
– الاحتكاك بالجمال: الفن، الطبيعة، والموسيقى ليست هروبًا، بل أدوات لإعادة تشكيل الإحساس بالحياة.

الترميم كفعل إبداعي

الذات المرمّمة ليست نسخة باهتة من الماضي، بل عمل فني جديد، يحمل آثار التشقق كجزء من جماله. كما في فن الكينتسوجي الياباني، حيث تُرمم الأواني المكسورة بالذهب، فتصبح ندوبها مصدرًا للجمال لا للعيب.

خاتمة: من الرماد إلى الضوء

ترميم الذات ليس لحظة، بل مسار. وهو لا يعني التخلص من الألم، بل تحويله إلى طاقة خلاقة. في كل مرة ننهض من تحت الركام، نعلن أن الإنسان قادر على أن يكون مشروعًا متجددًا، لا نسخة منهكة من ماضيه.

 

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)