حسيك يوسف
لا أحد يمكن أن يبرر أحداث العنف والتخريب التي رافقت بعض الاحتجاجات الأخيرة في مدن المغرب. فسرقة المحلات التجارية أو الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، أفعال مجرّمة، ولا يمكن أن تختبئ وراءها أي قضية عادلة. غير أن اختزال النقاش في هذه التجاوزات وحدها، والسكوت عن جذور الأزمة، هو في حد ذاته شكل آخر من التهرب من المسؤولية.
إن ما وقع ليس معزولاً عن السياق العام، بل هو نتيجة تراكمات عمرها عقود. جيل كامل خرج إلى الشارع وهو مثقل بخيبات التعليم، والإعلام، والسياسات العمومية، والمنظومة القيمية التي تحيط به.
في المدرسة، اكتشف الشباب أن المناهج التعليمية لم تُعِدهم لا لمستقبل مهني واضح ولا لمواطنة مسؤولة، وأن الاكتظاظ والخصاص في الأطر والتجهيزات جعلتهم مجرد أرقام في منظومة مترهلة. في الإعلام، وجدوا أنفسهم محاصرين بثقافة التافهين، ببرامج تصنع الشهرة السريعة بلا مضمون، في مقابل تغييب البرامج التوعوية والثقافية الجادة. في الأسرة، أثرت سياسات اجتماعية وقوانين متسرعة على الروابط العائلية، فزاد التفكك الأسري، وضاع التواصل بين الأجيال. حتى في المساجد، فقدوا ذلك الخطاب الديني العميق الذي كان يشكل سنداً قيمياً وتوجيهاً روحياً، بعدما تحوّل إلى خطب رسمية مكررة.
أما العدالة، فقد تركت وراءها إحساساً عاماً باللاجدوى: جيل يرى أن حقوقه كمواطن تُستنزف، وأن كرامته على المحك، وأن القوانين كثيراً ما تشتغل ضده بدل أن تحميه.
من هنا، لا يمكن أن نحمل جيل اليوم كل المسؤولية عن انحرافات بعض أفراده. الجيل هو ثمرة السياسات، وصنيع المؤسسات، ومرآة المجتمع نفسه. فإذا كنا نصدم اليوم من مشاهد الغضب والانفلات، فعلينا أن نعترف أولاً أننا أمام حصيلة منظومة لم تفِ بوعودها، ولم توفر مقومات العيش الكريم ولا شروط بناء الإنسان.
إن تحميل الشباب وحده وزر ما يحدث، أشبه بمن يلوم المرآة لأنها كشفت التجاعيد. والحقيقة أن المطلوب ليس البحث عن كبش فداء، بل إعادة طرح السؤال الجوهري: أي مغرب نريد أن نترك للأجيال القادمة؟ وأي منظومة تعليمية، إعلامية، أسرية، دينية، وعدلية قادرة على صناعة مواطن حر، مسؤول، ومؤمن بوطنه؟
ما وقع اليوم ليس إلا جرس إنذار مدوٍ. الوقت لم يفت بعد، لكن الصمت والإنكار قد يجعلان الغد أكثر كلفة وأكثر إيلاماً.
تعليقات ( 0 )