” دهاليز الأحد : السرير الأحمر في شقة مراكش
عبدالرحيم الشافعي
كنت نجمة على سريري الأحمر
ايفيرناج-مراكش- 2015
كان الوقت على الساعة الخامسة مساء حينما وصل الى قصر المؤتمرات بمراكش، أخبرني أنه لن يأتي، ولكنه اتفق مع صديقاتي ليفاجئني ، ولم يتبق إلا ساعة واحدة على حفل افتتاح المهرجان الدولي للفيلم بمراكش في دورته الخامسة عشر، كان الكل غارق في التحضيرات، لم يكن هناك شيء تابث، الكل في حركة- حركة المرور في الشارع و أصوات السيارات، و المارة من الناس على الرصيف…
كنا أنا و صديقاتي فاطمة و غزلان في مقهى على حافة الشارع، التي تنظر في الجهة المقابلة، للباب الكبير لقصر المؤتمرات الذي يقع على مفترق الطرق بين مناطق الجذب الرئيسة بالمدينة في الحي السكني ايفيرناج ، و هو لا يبعد إلا بخمس دقائق من محطة القطار…
كان صوت القطار في أذني …
كان القطار سريعا…
و فجأة جاء اتصال هاتفي لصديقتي غزلان فقامت، ثم بعدها جاء اتصال هاتفي لفاطمة فقامت، فبقيت جالسة لوحدي في سكون بينما الضجيج في كل مكان ..
سحقا ! كانت صديقاتي برفقة عشيقيهما هناك، فكنت الوحيدة التي تتخيل و تأمل…
كان يجب أن يأتي…
و فجأة أحدهم أغمض عيوني من الخلف فعندما التفت…
أخبرني أنه لا يستطيع الحضور لظروف قاسية بينما كان في الاصل يستعد خلف الكواليس…
عانقته بشدة…
كان رجلي في الحياة القاسية…
كان ذكري…
كان يفك رموز جميع تحركاتي…
كان يعرف أنني في انتظاره…
وقف ثواني معدودات أمام فضاء المقهى الذي يطل على الطريق العام، و هو يرفع بصره الى ما يبدو ممتلأ…
ثم صار يبحث عن مكان للمبيت…
تبا لي، كنت أريده في شقتي و لكن البنات معي…
كانت شقة كراء، لنا طيلة ايام المهرجان حينما كنا نتدرب. كمساعدات في تنظيم المهرجان و كان عشيقي هذا يحب الاعراس السينمائية كثيرا و خاصة النجوم العالميين على البساط الأحمر…
كنت نجمة على سريري الأحمر…
وجد مبيتا في النزل، لأن الفنادق كانت غالية جدا، و ممتلئة عن أخرها في كل حدث لمهرجان مراكش الدولي، و كان في تلك الفترة برئاسة المخرج الأمريكي فرانسيس فورد كوبول صاحب فيلم العراب، قال ذات يوم(( إن الفنان كالأرض الخصبة و الفيلم ككأس النبيذ ، نتساءل دوما من أي أرض يأتي و أين تكمن خصائص طعمه و نكهته))، و كان عشيقي وحبيبي أرضي الخصبة و نبيذي ، و ما زلت أتساءل أين تكمن خصائص قبلاته و لمساته..
لم يكن وسيما، ولكنه كان ساحرا…
كان مقنعا…
التقينا داخل قصر المؤتمرات و كان تكريم الممثلة الهندية مادوري ديكسيت عشيقة ديفداس بنجمة المهرجان الذهبية، فقالت في خطابها أن
البطل ولد حتى وإن انهزم…
كان بطلي..
و كنت نجمة على سريري الأحمر…
صحيح أنه يبدوا رجلا بسيطا، فقد استطاع أن يجد لنفسه مكانة بين المهنيين السينمائيين بطريقته الخاصة، لم يكن متطفلا و لا مطبلا ، كان باحثا و دارسا، كان شديد الطموح و العزيمة ، وشديد الالحاح
كان لا يستسلم أبدا..
كنت أعشق شغفه…
قد فاجئني الى أقصى حد وأربكني, إذ أنه لم يبالي بوجودي بعد اللقاء الأول و لم يخبرني أنه وجد غرفة في النزل، لأنه لم يكن لدى صاحب النزل غرفة ليستأجرها، لأننا سألناه من قبل أنا وصديقاتي، و قد وافق على ذلك، ربما أقنعه بطلي بدعاباته الاعتيادية، و كان ذلك النزل يبعد عن شقتنا بعشر دقائق…
كان حبيبي ماكرا…
التقينا صباح أول ايام المهرجان، و تحدثنا و تعرفنا على الأماكن و تمشينا قليلا، و كان كل حديثنا عن الأفلام و السينما..
اللعنة لماذا لا يحدثني عني و عنه و عن وحدثنا هناك..
كان سريري في الانتظار..
ولكن بعد فترة و جيزة اختفى حبيبي، فاتصلت به فلم يجب كان هاتفه مشغولا، فذهب للنزل فغير ملابسه و تأنق ، كان يرتدي بدلة بنية
و كان ذو وجه ضعيف و عينين ضيقتين، و جسد متوسطا و طوله متر
و اتنان و سبعون سنتمترا، كان عشاق السينما و صناعها مازالوا هنا، و كان بعضهم قد أخد مكانه كي يروا و يسمعوا على نحو أفضل، جلسنا معا
و صديقاتي كذلك قبل أن يبدأ عرض الفيلم الأول، مازالت قاعة العروض في القصر مكتظمة و ضجيج المشاركين يملأ المكان..
و فجأة شعر بطلي بألم في رأسه فأعتذر وخرج، اتصل بي فلحقت به، فأخدنا في المشي و الحديث بدون وعي مني حتى وصلنا الى شقتنا القريبة من نزله و من قصر المؤتمرات، كانت الشقة في الطابق الرابع للعمارة، كانت تطل على المدينة العتيقة، من الجهة الأمامية في اتجاه مسجد الكتبية وكانت تطل من الجهة الخلفية على المنارة، أما غرفة سريري الأحمر، فكانت بلون مراكش بمناخها الشبه جاف في يوم ماطر و معتدل ورطب في الصيف، فكان معدل الحرارة في غرفتي اثنا عشر درجة…وكانت حرارتي ثمانية و عشرون..
اللعين لم يكن يشعر بألم في رأسه، بل كان يستشعر حرارتي بجانبه…
كان قد اعتدل في جلوسه في صالون الشقة نصف اعتدال، و صار يحدثني فتطلع الي وقال :
ماذا لو حملتك الى السرير
فقلت لا تستطيع…فوزني ثقيل…
فحملني فوق السرير ، فقد كنت أزن ثمانون كيلوغراما و كان وزنه الستين…
سحقا، كيف استطاع ذلك…
فكانت شرفة غرفتي تطل على حديقة تزدهر فيها الشجيرات المزهرة، إن الأجواء هنا غريبة، الصمت في كل مكان، في جو كمراكش يبرد في الليل،
و الاحمرار يملأ المكان فطلاء البيوت أحمر و الاضواء حمراء و ستائر النوافذ حمراء و سريري أحمر فالتهبت النار في جسدي حتى صار كالجمرة.
فهباب الفحم لا يأت الا بعد الاحتراق، فنفض الجمر …
كان رَجُلٌ وارِي الزِّنادِ…
ملأ سريري ورودا حمراء…
وضع الشوكولاتة على جسدي
أكل التوت الأحمر من شفتي
فأضحى جسده منقوشا بأحمر شفاهي…
فكنت نجمة حمراء على سريري
و كان ذكري هو هدية تكريمي
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق