Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الواجهة بلاغ سياسة

شباب المغرب يرفعون مطالبهم لجلالة الملك: خطوة نحو إصلاح الدولة والمحاسبة في ظل القيادة الملكية

حسيك يوسف

في سابقة من نوعها، خرج شباب مغاربة بوثيقة سموها “GENZ”، تتضمن ديباجة موجهة مباشرة إلى الملك محمد السادس، أمير المؤمنين ورئيس الدولة، رافعين مطالب وُصفت بالجريئة، أبرزها: إقالة الحكومة الحالية، محاكمة الفاسدين، حل الأحزاب السياسية المتورطة في الريع، إطلاق سراح معتقلي الرأي، وعقد جلسة وطنية علنية للمساءلة أمام الشعب.

الوثيقة جاءت بلغة تحمل بعداً دستورياً وقانونياً، حيث استندت إلى فصول متعددة من دستور 2011، مثل الفصل 47 الذي يمنح الملك صلاحية تعيين وإعفاء الحكومة، والفصل 1 الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة، والفصل 7 الخاص بدور الأحزاب. هذه الصياغة توحي بأن الشباب لم يكتفوا بالاحتجاج العاطفي، بل قرروا الدخول من باب الشرعية الدستورية، ما يعكس نضجاً سياسياً لافتاً.

الوثيقة لم تترك مجالاً للشك في أن هناك أزمة ثقة حادة بين الجيل الجديد والمؤسسات السياسية التقليدية، خاصة الحكومة والبرلمان والأحزاب. بل وذهبت أبعد من ذلك حين وصفت هذه المؤسسات بـ”العائق الحقيقي” أمام التنمية والديمقراطية. هذا الموقف يضع المؤسسة الملكية أمام مسؤولية مضاعفة، باعتبارها الضامن لوحدة الأمة والمرجعية العليا في ضبط التوازنات.

في عمق هذه المطالب، يظهر الوجع الاجتماعي: القدرة الشرائية المنهارة، غلاء المعيشة، بطالة الشباب، وتراجع الخدمات العمومية في الصحة والتعليم. الشباب الذين صاغوا الوثيقة يتحدثون من موقع المعاناة اليومية، لكنهم في نفس الوقت يُظهرون وعياً مدنياً متقدماً حين يفرقون مثلاً بين “المتظاهر السلمي” و”المخرب”، ويؤكدون على سلمية حركتهم ورقيها.

المثير أن هذه الحركة لم تكتفِ بالتظاهر أو التدوين الرقمي، بل اختارت الانتقال إلى مستوى “النص السياسي الشعبي” الموجه للملك. هذا يعكس تحولاً في وعي الشباب: من ردود الفعل الانفعالية إلى إنتاج وثائق مطلبية منظمة، وهو تطور نوعي قد يُعيد رسم علاقة الأجيال الجديدة بالدولة.

من المعروف أن المؤسسة الملكية في المغرب تحرص على لعب دور الوسيط الضامن بين الشعب ومؤسسات الدولة، خصوصاً في لحظات الأزمات. غير أن الاستجابة المباشرة لهذه المطالب، خاصة “إقالة الحكومة” أو “حل الأحزاب”، تبقى مسألة شديدة التعقيد، لأنها تمس توازنات دستورية وسياسية قائمة.

لكن ما يمكن أن يحدث واقعياً هو فتح قنوات حوار جديدة مع الشباب، أو الإعلان عن إصلاحات اجتماعية عاجلة، أو حتى تدخل ملكي يفرض تعديلاً وزارياً جزئياً يبعث برسالة رمزية قوية.

الوثيقة ستخلق، بلا شك، نقاشاً وطنياً واسعاً، لأنها تكشف عن فجوة كبيرة بين الشباب ومؤسسات الوساطة. الأيام القادمة قد تحمل واحداً من سيناريوهين:

  •  إما استيعاب الدولة لهذه الرسائل عبر خطوات ملموسة، مما يفتح مرحلة جديدة من المصالحة السياسية والاجتماعية.
  •  أو تجاهلها، وهو ما قد يزيد من حدة الاحتقان ويُضعف أكثر شرعية الوسائط السياسية.

“GENZ” ليست مجرد وثيقة احتجاجية، بل تعبير عن إرادة جيل يسعى لإعادة تعريف العلاقة بين الشعب والدولة. إنها جرس إنذار ورسالة أمل في آن واحد، مفادها أن الشباب يريدون أن يكونوا شركاء لا متفرجين، وأن الكلمة الأخيرة – كما دوماً – ستظل بيد المؤسسة الملكية في كيفية التقاط هذا النداء وتحويله إلى لحظة إصغاء تاريخية.

Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الواجهة جهات سياسة مجتمع

GenZ212 جيل يكتب احتجاجاته خارج المقرات الحزبية

حسيك يوسف

خروج الشباب المغربي في حركة تحمل اسم GenZ212 ليس مجرد رد فعل عابر على أوضاع اجتماعية متدهورة، بل هو تعبير عن تحوّل سياسي واجتماعي يلامس العمق الحقيقي للأزمة التي يعيشها المغرب. لأول مرة منذ سنوات، يخرج جيل كامل إلى الشارع ليقول بصوت مرتفع إنّ السياسة بشكلها التقليدي لم تعد تجذبه، وإنّ الأحزاب التي من المفترض أن تكون قنوات للتأطير والتعبير صارت أقرب إلى “أكشاك انتخابية” تُفتح موسمياً وتغلق ما إن تنتهي الاستحقاقات.

اللافت في هذه الحركة أن معظم المشاركين فيها غير منتمين لأي حزب سياسي. أكثر من تسعين في المائة منهم شبان وشابات قرروا أن الشارع هو فضاؤهم الطبيعي، بعدما أقفلت المقرات الحزبية في وجوههم، واحتُكرت المناصب والمقاعد داخل التنظيمات من طرف “شيوخ السياسة” الذين يورّثون المواقع لأبنائهم وأحفادهم، بينما يُحارب أصحاب الأفكار الجديدة والمستقلون. هنا يكمن جوهر الأزمة: الشباب لا يرفض السياسة في حد ذاتها، بل يرفض السياسة كما تُمارَس اليوم، خالية من الفكر ومن المشروع، غارقة في الريع والزبونية.

مطالب GenZ212 تبدو بسيطة ومباشرة، لكنها عميقة في مضمونها: مستشفيات تليق بكرامة المغاربة، تعليم مجاني يضمن المساواة، وشغل يحفظ العيش الكريم. هؤلاء لا يرفضون الاستثمار في البنية التحتية الرياضية أو تنظيم كأس العالم، بل يقولون بوضوح: إذا كانت الملاعب خمس نجوم، فلتكن المستشفيات سبع نجوم. وإذا كانت الملايين تُصرف على صور كبرى، فلتُصرف مثلها على المدارس والمراكز الصحية، لأن أساس أي نموذج تنموي ناجح يبدأ من صحة المواطن وتعليمه.

هذه الحركة أيضاً كشفت عن مفارقة كبيرة. فبينما تتحدث الدولة عن “النموذج التنموي الجديد” وعن مغرب 2030 كمشروع للأمل، يشعر الشباب أنّ الواقع اليومي يسير في اتجاه آخر: ارتفاع الأسعار، تفاقم البطالة، غياب العدالة في توزيع الثروات، وتراجع الثقة في المؤسسات. ليس صدفة أن يظهر هذا الحراك بالتزامن مع الأزمة المعيشية الناتجة عن ارتفاع أسعار المحروقات، التي أذابت ما تبقى من الطبقة الوسطى وجعلت المجتمع ينقسم إلى طبقتين فقط: أقلية ميسورة وطبقة واسعة تغرق في الفقر.

البعد السياسي هنا لا يقل أهمية. ما يطرحه GenZ212 هو سؤال جوهري: ما جدوى الأحزاب إن لم تقم بالتأطير واستقطاب الشباب؟ وكيف يمكن تبرير استمرار حصولها على دعم مالي من المال العام إذا كان الشارع هو البديل الوحيد لفتح النقاش؟ الأحزاب التي كان يفترض أن تشكل صمام أمان ديمقراطي، تحولت إلى عبء على الحياة السياسية. ولم يعد للشباب من خيار سوى خلق حركات رقمية وميدانية مستقلة، تستمد قوتها من السلمية ومن قدرتها على التنظيم الذاتي عبر المنصات الافتراضية.

من جهة أخرى، هذه الحركة تعكس وعياً سياسياً جديداً. فالشباب الذين يقفون وراءها حرصوا منذ البداية على نفي أي علاقة لهم بمواقف ضد الملكية، وأكدوا أن حركتهم سلمية واجتماعية، وأن خصمهم الحقيقي هو الفساد، غلاء المعيشة، وغياب العدالة الاجتماعية. هذا الوعي السياسي هو ما يميز GenZ212 عن حركات احتجاجية سابقة. إنه جيل يعرف جيداً ما يريد، ويعرف أيضاً كيف يجنّب نفسه فخاخ التصنيف والتشويه.

السيناريوهات المحتملة أمام المغرب اليوم متعددة. إذا استمرت الأحزاب في تجاهل هذه الرسالة، فسيترسخ العزوف السياسي، وقد نشهد نسخة جديدة من حركة 20 فبراير ولكن بأدوات أكثر نضجاً ورقمنة. وإذا تم التعامل مع هذه المطالب فقط بمنطق أمني، فإن الهوة بين الدولة والشباب ستتسع بشكل خطير. لكن إذا استُثمر هذا الحراك كمؤشر إصلاحي، فقد يشكل فرصة تاريخية لتجديد السياسة المغربية وربطها بالفعل باحتياجات المواطنين.

GenZ212 ليست مجرد وسم على منصات التواصل ولا مجرد تجمع شبابي غاضب. إنها مرآة جيل يبحث عن عدالة وكرامة، جيل يقول بوضوح: لسنا ضد التنمية، نحن ضد التنمية غير العادلة. ولسنا ضد المؤسسات، نحن ضد المؤسسات التي تحولت إلى واجهات فارغة. في النهاية، هذا الجيل يضع سؤالاً حاسماً أمام الطبقة السياسية: هل أنتم مستعدون للإنصات وإشراكنا فعلاً، أم ستواصلون إدارة الظهر حتى يكتب الشارع فصلاً جديداً من تاريخ المغرب؟