Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الواجهة جهات سياسة مجتمع

GenZ212 جيل يكتب احتجاجاته خارج المقرات الحزبية

حسيك يوسف

خروج الشباب المغربي في حركة تحمل اسم GenZ212 ليس مجرد رد فعل عابر على أوضاع اجتماعية متدهورة، بل هو تعبير عن تحوّل سياسي واجتماعي يلامس العمق الحقيقي للأزمة التي يعيشها المغرب. لأول مرة منذ سنوات، يخرج جيل كامل إلى الشارع ليقول بصوت مرتفع إنّ السياسة بشكلها التقليدي لم تعد تجذبه، وإنّ الأحزاب التي من المفترض أن تكون قنوات للتأطير والتعبير صارت أقرب إلى “أكشاك انتخابية” تُفتح موسمياً وتغلق ما إن تنتهي الاستحقاقات.

اللافت في هذه الحركة أن معظم المشاركين فيها غير منتمين لأي حزب سياسي. أكثر من تسعين في المائة منهم شبان وشابات قرروا أن الشارع هو فضاؤهم الطبيعي، بعدما أقفلت المقرات الحزبية في وجوههم، واحتُكرت المناصب والمقاعد داخل التنظيمات من طرف “شيوخ السياسة” الذين يورّثون المواقع لأبنائهم وأحفادهم، بينما يُحارب أصحاب الأفكار الجديدة والمستقلون. هنا يكمن جوهر الأزمة: الشباب لا يرفض السياسة في حد ذاتها، بل يرفض السياسة كما تُمارَس اليوم، خالية من الفكر ومن المشروع، غارقة في الريع والزبونية.

مطالب GenZ212 تبدو بسيطة ومباشرة، لكنها عميقة في مضمونها: مستشفيات تليق بكرامة المغاربة، تعليم مجاني يضمن المساواة، وشغل يحفظ العيش الكريم. هؤلاء لا يرفضون الاستثمار في البنية التحتية الرياضية أو تنظيم كأس العالم، بل يقولون بوضوح: إذا كانت الملاعب خمس نجوم، فلتكن المستشفيات سبع نجوم. وإذا كانت الملايين تُصرف على صور كبرى، فلتُصرف مثلها على المدارس والمراكز الصحية، لأن أساس أي نموذج تنموي ناجح يبدأ من صحة المواطن وتعليمه.

هذه الحركة أيضاً كشفت عن مفارقة كبيرة. فبينما تتحدث الدولة عن “النموذج التنموي الجديد” وعن مغرب 2030 كمشروع للأمل، يشعر الشباب أنّ الواقع اليومي يسير في اتجاه آخر: ارتفاع الأسعار، تفاقم البطالة، غياب العدالة في توزيع الثروات، وتراجع الثقة في المؤسسات. ليس صدفة أن يظهر هذا الحراك بالتزامن مع الأزمة المعيشية الناتجة عن ارتفاع أسعار المحروقات، التي أذابت ما تبقى من الطبقة الوسطى وجعلت المجتمع ينقسم إلى طبقتين فقط: أقلية ميسورة وطبقة واسعة تغرق في الفقر.

البعد السياسي هنا لا يقل أهمية. ما يطرحه GenZ212 هو سؤال جوهري: ما جدوى الأحزاب إن لم تقم بالتأطير واستقطاب الشباب؟ وكيف يمكن تبرير استمرار حصولها على دعم مالي من المال العام إذا كان الشارع هو البديل الوحيد لفتح النقاش؟ الأحزاب التي كان يفترض أن تشكل صمام أمان ديمقراطي، تحولت إلى عبء على الحياة السياسية. ولم يعد للشباب من خيار سوى خلق حركات رقمية وميدانية مستقلة، تستمد قوتها من السلمية ومن قدرتها على التنظيم الذاتي عبر المنصات الافتراضية.

من جهة أخرى، هذه الحركة تعكس وعياً سياسياً جديداً. فالشباب الذين يقفون وراءها حرصوا منذ البداية على نفي أي علاقة لهم بمواقف ضد الملكية، وأكدوا أن حركتهم سلمية واجتماعية، وأن خصمهم الحقيقي هو الفساد، غلاء المعيشة، وغياب العدالة الاجتماعية. هذا الوعي السياسي هو ما يميز GenZ212 عن حركات احتجاجية سابقة. إنه جيل يعرف جيداً ما يريد، ويعرف أيضاً كيف يجنّب نفسه فخاخ التصنيف والتشويه.

السيناريوهات المحتملة أمام المغرب اليوم متعددة. إذا استمرت الأحزاب في تجاهل هذه الرسالة، فسيترسخ العزوف السياسي، وقد نشهد نسخة جديدة من حركة 20 فبراير ولكن بأدوات أكثر نضجاً ورقمنة. وإذا تم التعامل مع هذه المطالب فقط بمنطق أمني، فإن الهوة بين الدولة والشباب ستتسع بشكل خطير. لكن إذا استُثمر هذا الحراك كمؤشر إصلاحي، فقد يشكل فرصة تاريخية لتجديد السياسة المغربية وربطها بالفعل باحتياجات المواطنين.

GenZ212 ليست مجرد وسم على منصات التواصل ولا مجرد تجمع شبابي غاضب. إنها مرآة جيل يبحث عن عدالة وكرامة، جيل يقول بوضوح: لسنا ضد التنمية، نحن ضد التنمية غير العادلة. ولسنا ضد المؤسسات، نحن ضد المؤسسات التي تحولت إلى واجهات فارغة. في النهاية، هذا الجيل يضع سؤالاً حاسماً أمام الطبقة السياسية: هل أنتم مستعدون للإنصات وإشراكنا فعلاً، أم ستواصلون إدارة الظهر حتى يكتب الشارع فصلاً جديداً من تاريخ المغرب؟

Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الواجهة نازل

جيل Z في المغرب.. صرخة وعي تتحدى الصمت

جيل جديد يخرج اليوم إلى العلن في المغرب: جيل Z. جيل لم يعد يقبل بالمسكنات السياسية ولا بوعود الإصلاح التي تُرمى في الهواء مع كل حملة انتخابية. إنه جيل وُلد في زمن الأزمات المتلاحقة، لكنه تشبّع بقيم العدالة والكرامة والحرية، ويملك جرأة غير مسبوقة على تسمية الأشياء بمسمياتها.

هذا الجيل لا يطلب المستحيل. كل ما يطالب به هو ما يُعتبر بديهيًا في دول أخرى: مستشفيات تضاهي في جودتها ملاعب كرة القدم، تعليم مجاني يفتح أبواب المستقبل أمام الجميع، عدالة اجتماعية تُعيد التوازن بين الطبقات، وربط فعلي للمسؤولية بالمحاسبة. جيل يصرّ على أن تُصرف الميزانيات لصالح البحث العلمي لا فقط لصالح التسلح، وأن يُطبق القانون على القوي قبل الضعيف، لأن العدالة الحقيقية لا تعرف الأسماء ولا المناصب.

جيل Z يرى أن الحكومة القائمة لم تستطع أن تواكب حجم الانتظارات. وزراء بلا خبرة في قطاعاتهم، وقرارات عمّقت الأزمة بدل حلها. رفع أسعار المحروقات كان الشرارة التي فجّرت موجة سخط اجتماعي، لأنه انعكس على كل جوانب المعيشة. ومع الوقت، تقلّصت الطبقة الوسطى، حتى أصبح المشهد منقسماً إلى طبقة فقيرة تزداد هشاشة، وطبقة ميسورة تتسع ثرواتها.

المثير أن هذا الجيل لم يختر العنف ولا الفوضى. خرج للاحتجاج السلمي، رافعًا شعارات إصلاحية واضحة، لكنه قوبل أحيانًا بتدخلات أمنية مفرطة. ومع ذلك، ظل يُصرّ على أن هدفه ليس التخريب، بل التنبيه إلى الخلل والدعوة إلى إصلاح حقيقي ينقذ ما يمكن إنقاذه.

جيل Z اليوم لا يرى نفسه ممثلاً في الأحزاب السياسية التي تحولت إلى هياكل خاوية، ولا في النخب التي تكرر نفس الخطاب منذ عقود. إنه جيل يبحث عن صوت جديد، عن أدوات تمثيل حديثة، عن سياسة تُمارس بصدق لا بمناورة.

إنه جيل يعلن بكل وضوح: المغرب لن ينهض إلا حين يُستمع إلى الشباب، ويُعترف بمطالبهم كحقوق مشروعة، لا كمطالب ثانوية. جيل Z ليس جيلاً غاضبًا فقط، بل هو جيل يملك أفكارًا ورؤية لمستقبل أفضل. تجاهله ليس خيارًا، بل خطر على الاستقرار وعلى الأمل في غدٍ أكثر عدلاً وإنصافًا.