مع الحدث لحبيب مسكر
رغم قسوة المرض الذي يهدد بصره، استطاع الشاب المغربي أسامة دادي تاسولي، المزداد سنة 1991، أن يكتب قصة نجاح استثنائية، تتجاوز حدود الإعاقة لتجسد قوة الإرادة والإصرار على مواجهة التحديات.
أسامة، الذي عاش طفولة عادية ودرس كبقية أقرانه، لم يكن يتوقع أن يغير مرض نادر مجرى حياته. ففي سنة 2018 اكتشف أنه مصاب بـالتهاب الشبكية الصباغي، وهو داء معقد ومتعدد الجينات، يهدد تدريجياً بفقدان البصر الكامل، ولا يتوفر له علاج نهائي إلى اليوم. ورغم أن الخبر كان صادماً، إلا أن الشاب قرر أن يسبق الزمن قبل أن ينطفئ نور عينيه نهائياً. تزوج وأنجب طفلين، ليحظى بفرصة رؤية فلذات كبده قبل أن يثقل المرض خطواته أكثر.
ومع تطور حالته الصحية سنة 2023، صار أسامة يحتاج إلى مرافق بشكل دائم، لتتحول زوجته إلى “العين التي يبصر بها، واليد التي يكتب بها”، كما يصفها هو. لكن، عوض الانطواء أو الاستسلام، قرر أن يحول معاناته إلى قوة دفع نحو النجاح.
ما هو التهاب الشبكية الصباغي؟
التهاب الشبكية الصباغي مرض وراثي نادر يصيب الخلايا المسؤولة عن الرؤية في شبكية العين. يبدأ عادة بضعف تدريجي في الرؤية الليلية، ثم يضيق مجال البصر شيئاً فشيئاً، إلى أن يصل في بعض الحالات إلى العمى الكامل. يكمن تحدي هذا المرض في تعقيده الجيني، ما يجعل علاجه صعباً حتى الآن، لكن الأبحاث الحديثة في مجال العلاج الجيني والخلايا الجذعية والأجهزة البصرية الإلكترونية تمنح المرضى أملاً متجدداً في المستقبل. ويظل التشخيص المبكر والمتابعة الطبية المنتظمة أفضل وسيلة لإبطاء تطوره والتكيف مع تحدياته.
في سنة 2017، أسس أسامة تعاونية “امرابطن بيو ريف” المتخصصة في تثمين المنتوجات المجالية وتحويلها إلى مواد تجميلية طبيعية. منتجات التعاونية، التي تعتمد على زيت الصبار، زيت الأركان، القنب الهندي ومكونات أخرى، شملت الزيوت، الكريمات، الصابون، الشامبو، والسيرومات، لتصبح علامة واعدة في السوق الوطنية والدولية.
ولم يتوقف صدى نجاح هذه التعاونية عند حدود المغرب، بل أصبحت منتجاتها مطلوبة في العديد من الدول الأوروبية، بفضل الجالية المغربية التي آمنت بجودة هذه المنتوجات وساهمت في التعريف بها ونشرها خارج الوطن.
هذه التجربة لم تكن مجرد مشروع اقتصادي، بل كانت أيضاً نافذة أمل لنساء قرويات يعانين من الهشاشة، حيث وفرت لهن التعاونية فرص عمل موسمية ودائمة، ساهمت في تحسين أوضاعهن المعيشية، خصوصاً الأرامل والأسر المعوزة.
حازت التعاونية على عدة شواهد وطنية، وشاركت بقوة في معارض كبرى داخل المغرب، لتثبت أن الإعاقة لا يمكن أن تكون حاجزاً أمام الطموح.
وراء هذه القصة الملهمة، تظل الأم هي البطلة الصامتة. فقد كانت سند أسامة الأول، دعمت حلمه وضحت بالغالي والنفيس لمساعدته على مواجهة واقع المرض، خاصة عندما علم أنه مرض بلا علاج وأنه مهدد بالعمى.
اليوم، يقدم أسامة دادي تاسولي نفسه نموذجاً مضيئاً لشباب المغرب: شخص لم يستسلم لقدر قاسٍ، بل أعاد رسم مصيره بإصرار وعزيمة، وحول الظلام إلى نور أمل، ليصبح مثالا يحتذى به في التحدي والإبداع.
تعليقات ( 0 )