مع الحدث
المتابعة ✍️: لحبيب مسكر
رغم غياب تصنيف دولي رسمي يحدد ترتيب الدول من حيث نجاحها الدبلوماسي، فإن تتبّع مسار السياسة الخارجية المغربية خلال العقدين الأخيرين يكشف عن تطور ملحوظ، جعلها تحظى بمكانة بارزة على الساحتين الإقليمية والدولية. فقد أصبحت الدبلوماسية المغربية نموذجًا قائمًا على المرونة، والذكاء الاستراتيجي، والاستباقية، ما مكّن المملكة من تعزيز حضورها والمساهمة في صناعة القرار في ملفات حساسة.
1. تحركات استراتيجية في ملفات معقدة
تظل قضية الصحراء المغربية مركز الثقل في السياسة الخارجية. وقد نجح المغرب في تحويلها من نزاع إقليمي إلى قضية استقرار وأمن قارّي، معتمدًا على تحالفات استراتيجية مع قوى كبرى مثل الولايات المتحدة وإسبانيا، إلى جانب فتح أكثر من 30 قنصلية إفريقية في الأقاليم الجنوبية، في خطوة تعكس اعترافًا فعليًا بمغربية الصحراء.
كما تمكنت الدبلوماسية المغربية من إحباط محاولات توسيع صلاحيات بعثة “المينورسو” لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، وهو انتصار يعكس قوة التفاوض المغربي داخل أروقة الأمم المتحدة.
2. ريادة إفريقية وتوجه جنوب-جنوب
أصبح المغرب فاعلًا قارّيًا لا غنى عنه، بفضل استراتيجية شاملة لتعزيز التعاون جنوب-جنوب. فقد فتحت الدبلوماسية الاقتصادية التي تقودها المملكة، من خلال مشاريع البنية التحتية والقطاعات البنكية والفلاحية، آفاق شراكات جديدة مع عدد كبير من الدول الإفريقية.
وقد رسّخ المغرب هذه الريادة عبر رئاسته لمجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، حيث أدرج موضوعات غير مسبوقة مثل الذكاء الاصطناعي كعامل مؤثر في الأمن الإفريقي، في خطوة تعكس رؤيته الاستشرافية.
3. انفتاح على قضايا المستقبل: التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي
برزت الدبلوماسية المغربية مؤخرًا في ملفات ترتبط بمستقبل النظام العالمي، مثل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. فقد شارك المغرب في رعاية الإعلان السياسي الأمريكي حول استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري، كما احتضن أول مؤتمر دولي حول الذكاء الاصطناعي في خدمة الأمن الدولي، بالتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
ويعكس انخراطه في شبكات دولية تضم شركات تكنولوجية كبرى مثل Google وMicrosoft، تطورًا نوعيًا في العقيدة الدبلوماسية المغربية، التي باتت توازن بين القضايا التقليدية والرهانات المستقبلية.
4. مرونة في إدارة العلاقات الدولية
رغم بعض التوترات التي شهدتها العلاقات المغربية مع دول أوروبية مثل ألمانيا وإسبانيا وفرنسا، استطاع المغرب، في أغلب الحالات، فرض شروطه دون الإضرار بجوهر العلاقات، مستندًا إلى منطق براغماتي يوازن بين المصالح الوطنية ومتانة الشراكات الاستراتيجية.
كما تجلت مرونة المغرب في استئناف العلاقات مع سوريا في سياق إقليمي معقد، ما يعكس قدرة دبلوماسيته على تجاوز الخلافات الإيديولوجية لصالح استقرار المنطقة.
5. نقد وتحديات مستمرة
ورغم هذا التقدم، لا تخلو الدبلوماسية المغربية من نقاط ضعف، أبرزها محدودية التواصل الإعلامي الدولي، وضعف الترويج للرؤية المغربية في بعض المحافل العالمية. كما يسجل بعض المراقبين أنها تتحرك أحيانًا كرد فعل بدل اعتماد المبادرة، وهو ما يرتبط بالمركزية الكبيرة في تدبير ملفات السياسة الخارجية عبر المؤسسة الملكية.
خاتمة: دبلوماسية ناجحة تتصدر المشهد
تُعد الدبلوماسية المغربية اليوم من بين أنجح التجارب الإقليمية، بفضل قدرتها على دمج القضايا الكلاسيكية بالملفات الاستراتيجية الحديثة، وتعزيز حضور المغرب كفاعل مسؤول ومؤثر. إنها دبلوماسية ذكية، تُحسن قراءة التحولات الدولية وتستثمر في التوازنات الدقيقة، ما يجعلها جديرة بأن تُصنَّف ضمن النماذج الرائدة في العالم العربي وإفريقيا.
تعليقات ( 0 )