السياحة في أوزود على حافة الانهيار… والمستثمرون يستغيثون

مع الحدث

المتابعة ✍️: ذ لحبيب مسكر

 

في قلب الأطلس الكبير حيث تنساب شلالات أوزود بجمالها الخارق، تتدفق أعداد كبيرة من السياح كل عام، باحثين عن سكينة الطبيعة وسحر الماء المتساقط من علٍ. لكن خلف هذه الصورة الحالمة، تنزف أوزود في صمت. هنا، في واحدة من أبرز وجهات السياحة الجبلية والإيكولوجية بالمغرب، تئن المنظومة تحت وطأة العشوائية، وغياب العدالة، وسوء التوزيع، وضرائب تُدفع بلا خدمات.

في مقدمة ما يشكو منه المهنيون، نجد ضريبة “الإقامة” أو “Taxe de séjour”، التي تُفرض على كل نزيل بمبلغ 15 درهمًا، دون أي مقابل ملموس من الجماعة. لا ماء من الشبكة، ولا كهرباء عمومية، ولا طريق معبدة نحو الفنادق. أحد أرباب الفنادق اضطر لحفر بئر على نفقته الخاصة لتزويد مؤسسته بالماء، ومدّ الكهرباء بماله، بينما الطريق المؤدية لفندقه ما تزال غير صالحة، ويضطر الزوار للتراجع بمجرد رؤيتهم المسلك الوعر خوفًا على سياراتهم.

المفارقة أن هذه الضريبة، المفروض أنها تساهم في تحسين خدمات المنطقة السياحية، لا تصرف على أي وجه تنموي. وعلى سبيل المقارنة، في دول مثل سويسرا، يحصل السائح مقابل هذه الضريبة على بطاقة مجانية لاستعمال النقل العمومي، بينما المستثمر يُواكب بتسهيلات، وخدمات لوجستية متطورة، تشجع على البقاء والتطوير. في أوزود، يُفرض العبء دون حد أدنى من المقابل.

وما يزيد الوضع اختناقًا هو الفوضى التنظيمية التي فتحت المجال للعشوائية بلا سقف. منازل تُحوَّل إلى بيوت ضيافة دون ترخيص، ولا احترام لمعايير النظافة أو السلامة. بعض السكان حفروا مسابح أمام منازلهم الخاصة، بكل جرأة، لمنافسة الفنادق القانونية، غير عابئين بالبيئة أو القوانين. في الوقت الذي يُراقب فيه المستثمر المهيكل، يُترك غيره يربح دون التزام، فينتفي التنافس الشريف وتضيع الجودة.

النقل السياحي أيضًا يعيش اختلالًا خطيرًا. سابقًا، كانت الرحلة من مراكش إلى أوزود تجربة منظمة: نقل ذهابًا وإيابًا،و مرشد سياحي،ثم جولة بالقارب، مقابل 400 درهم للشخص. اليوم، بسبب المنافسة الرقمية الشرسة، انهار السعر إلى 120 درهمًا فقط، المنصات الإلكترونية تقتطع 30% من الحجز، والمرشد يعمل مجانًا معتمدًا على الإتاوات، والمطاعم صارت تتنافس على دفع عمولات للمرشدين لجلب “الفوج”، بغض النظر عن جودة الخدمة. النتيجة: تجربة مهلهلة، وابتزاز ممنهج، وسياحة تفقد معناها.

والأسوأ أن أغلب هذه الأنشطة تُدار خارج الاقتصاد المحلي. السائح يحجز عبر الإنترنت، يصل بسيارة خاصة لا تؤدي شيئًا للجماعة، يتناول وجبته في مطعم يشتغل على العمولات، ويغادر دون أن يترك أثرًا تنمويًا حقيقيًا في المنطقة. ما يُستثمر يُستنزف، وما يُقدَّم لا يُعوَّض.

أما الأسعار فقد خرجت عن كل منطق. قنينة ماء تُباع بـ10 دراهم، ووجبات عادية تُضاعف قيمتها مقارنة بمراكش، وكل ذلك دون مراقبة أو تأطير. السياحة العشوائية صارت تتحكم في السوق، والمزاج الشخصي هو القانون الوحيد الساري.

الواقع البنيوي لا يقل قتامة. أزقة ضيقة، إنارة عمومية ضعيفة أو منعدمة، غياب إشارات… . رغم أن أوزود تستقبل آلاف الزوار سنويًا، فإنها تفتقر لأبسط شروط وجهة سياحية معاصرة، مما يُفقدها جاذبيتها ويؤثر سلبًا على سمعتها.

لكن رغم كل هذا، لا يستسلم الفاعلون، بل يرفعون صوتهم بنداءات عملية ومقترحات واقعية. من بينها تقنين الإيواء العشوائي وفق شروط قانونية واضحة، وفرض رسوم تنظيمية على سيارات النقل السياحي التي لا ترتبط بالاقتصاد المحلي. كما يطالبون بإدماج أوزود في برامج الترويج الدولي، خاصة في المعارض المتخصصة في السياحة الجبلية، لتكون جزءًا من المخططات الوطنية لا مجرد وجهة منسية.

وقد تواصلنا مع رئيس جماعة أوزود لأخذ رأيه بخصوص هذه القضايا، إلا أنه لم يكن متاحًا حينها، وأكد لنا تحديد موعد لاحق خلال منتصف الأسبوع الجاري للاستماع إلى وجهة نظره والرد على انشغالات المهنيين. وسنوافيكم لاحقًا بمضمون هذا اللقاء المنتظر.

إن أوزود لا تطلب دعمًا مجّانيًا، ولا صدقات موسمية، بل حقّها في العدالة، في التنظيم، وفي التوازن. إن استمرار هذا النزيف يهدد مستقبل السياحة الجبلية في المغرب، ويحرم مئات الأسر من مصدر رزقها، ويدفن وجهة كان يمكن أن تنافس دوليًا. حين تُترك السياحة للفوضى، لا تعود أداة تنمية… بل تصبح عبئًا وخسارة وطنية.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)