الشهيد ريان… حين تصبح السياسة فعلا إنسانيا.
بقلم .د.الفرفار العياشي
أستاذ علم الاجتماع
نائب برلماني عن الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية.
ريان قصة وجع و ألم طويل.
ريان ليس مجرد طفل لكنه حدث عالمي ،حين أصبح خبرا عابرا للحدود و للثقافات .
ثقافتنا الدينية تفرض علينا ان نتجاوز لحظة الانفعال ، و ان نتحكم في عواطفنا و ان نعلن خضوعنا للقدر و الايمان بالقدر، وأن نسلم و نعتقد انه مهما حاولنا لن نستطيع رد القضاء .
ان يموت ريان اليوم و في حفرة ،ربما حفرت بأيادي عائلته ، و تركت مفتوحة دون ان تغلق ، وهو سلوك يساءل الجميع .
ريان طفل خرج ليلعب فسقط في حفرة ، ربما كان من المفروض ان يكون مكان الحفرة ملعبا او حديقة ،ا و حتى فضاء بسيطا لكي يستمتع بطفولته ،و يلعب كما يلعب اقرانه من أبناء المحظوظين.
موت ريان لم يكن مجرد فعل وفاة لكنه حدث سياسي و اجتماعي و ثقافي متعدد الأبعاد ، هو حدث كثيف ، عميق حدث ،وحد الجميع ، حين أصبح الزمن السياسي زمن انسانيا.
الحزن على ريان و الحزن من موت ريان كان جواز سفر الى كل القلوب ، و الى كل الجنسيات و كل الثقافات ،الحدث أصبح خبرا عابرا للحدود ،و حدثا رئيسيا في كل الأخبار و كل القنوات ، كيف لطفل صغير في منطقة بعيدة قد تكون في جغرافية المغرب العميق ، ان يملك كل هذه القوة و هذا الحضور البهي فكل الزوايا و الأماكن و على شاشات الاخبار.
موت ريان هو حدث كثيف و متعدد الأبعاد :
الحدث باعتباره فعلا سياسيا .
الحدث كشف بجلاء كيف تحركت الدولة المغربية من أجل طفل و انتصارا لطفل ، العالم كان شاهدا اليوم على ان الدولة المغربية حولت جبلا الى كومة تراب من اجل انقاذ طفل و ان السياسة هي فعل من اجل الانسان و دفاعا عنه ، هذا هو الدرس الأساسي التي استخلص من موقف وتصرف الدولة المغربية عبر كافة مؤسساتها .
جلالة الملك جعل السياسة فعلا إنسانيا حين تابع الحدث، و اصدر تعليماته لفعل كل شيء من اجل انقاذ ريان ، و حتى بعد إعلان خبر الوفاة كان جلالة الملك اول المعزين و المتفاعلين مع عائلة ريان.
الدرس الاساسي ان موت ريان كان مؤشرا للجميع ان الدولة تتحرك من اجل طفل ، و تفعل كل شيء من أجل حياته ، لا تستطيع منع القدر ، لكنها نجحت في كشف عمق الدولة المغربية كدولة حاضنة لأبنائها .
الحدث كفعل اجتماعي :
الازمة و الفاجعة و الحدث المأساوي طيلة خمسة ايام، كشف عمق وطبيعة المجتمع المغربي كمجتمع كريم وسخي ، النساء في شفشاون تركن اشغالهن و تخصصن في توفير الخبز و الطعام لكل الزوار الضيوف ، حجم التفاعل و حجم الحضور و التضامن كان كثيفا ، ليس لان ريان طفل محظوظ ،او من اسرة تسري في عروقها دماء زرقاء. لكن هو طفل مغربي و هذا وحده يكفي .
أسوأ ما في الموت هو انتظاره ، وهنا كانت الازمة وعمق المأساة ، كان صراعا بين الناس والدولة في مواجهة القدر لا احد يستطيع منع القدر و الغاء القضاء ، لكن الدولة و المجتمع و الناس الطيبين كشفوا ان الموت بالمغرب ليس طقسا عاديا ،و ليس حدثا عاديا. الجميع تابع و بالكثير من التفاصيل كيف ان المغاربة توحدوا من اجل حياة طفل ،و كيف ان الاعراس الغيت و المواعيد الهامة اجلت انتصارا لحق ريان في الحياة .
لست حزينا على ريان ، لان الاطفال لا يموتون وإنما يرحلون الى عالم فسيح يصبحون فيه ملائكة ، الروائي دوستويفسكي في روايته الشهير ة الاخوة كارامازوف حين خاطب الأم التي فقدت ابنها ان مكانه الجنة فلا داعي من البكاء.
ما يحزنني حقا ام ريان ، كيف لها ان تتحمل قسوة هذا الوجع ، نسال الله ان يمنحها قوة اكبر، و قلبا اوسع ،لكي يتسع لكل هذا الاسى و لكل هذه الاوجاع والاحزان القاسية .
موت ريان كفعل ثقافي :
فجأة توحدت مشاعر العرب و المسلمين و اصبح ريان قبلة الجميع ، اختفت كل الخلافات والأزمات و الحدود و توحد الزمن العربي و الإسلامي و أصبح ريان و الدعاء لريان لغة الجميع و دعاء الجميع و إحساس الجميع .
ان الحزن هو الأيديولوجيا العابرة للحدود التي تخترق كل المسافات و كل الوسائط لتصنع وحدة يشترك فيها الجميع و ينخرط فيها الجميع و يدافع عنها الجميع .
ان كان موت ريان قدرا و فإنه في الوقت ذاته حدثا إنسانيا و سياسيا ، جعل الزمن المغربي زمنا عالميا ، عبر انكشف للجميع طبيعة الدولة المغربية التي حولت جبلا الى كومة تراب من اجل طفل يختزل وطنا و طبيعة مجتمع كريم معطاء سخي يحضر في أوقات الشدة كسند .
رحيل ريان ادخلنا عالم الاحزان ، والتي لوحدها توحد البشر.
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق