العرائش: مدينةٌ لا تَصلُحُ للموت ، ولا تَصلُحُ للحياة !

مع الحدث/ عبد القادر العفسي

يشهد الجميع دون حاجةٍ إلى شهود، أن القائمين على تدبير شؤون العرائش فشلوا فشلًا ذريعًا في إنتاج مدينةٍ صالحةٍ للسكن، لكنهم لم يكتفوا بذلك، بل تفننوا في إفشال الموت أيضًا، فلم يجد العرائشيون مكانًا يُدفنون فيه بعدما ضاقت بهم الحياة وهم أحياء، المقابر امتلأت، والمقبرة الجديدة ما زالت تتخبط في دهاليز البيروقراطية، كأننا بصدد مشروع لورشةٍ لبناء مفاعلٍ نوويٍّ تخضع لتدقيقٍ دوليّ أو أننا أمام تخطيطٍ لإنشاء محطة فضائية ! لا مجرد قطعة أرض يُدفن فيها من لم يجد نصيبًا من الكرامة في الحياة، ولكن هل كان غريبًا أن تتدخل لوبيات العقار في التحكم بمصير الأحياء؟ لا ! لكن العجيب أن تمتد أطماعها إلى عظام الموتى أيضًا، بل حتى في تأمين مثوى لائق للأموات! في مشهدٍ عبثيّ، تبدو المقابر الوجهة الوحيدة المتاحة للعرائشيين، وكأنهم يفرّون إليها هربًا من العيش في مدينةٍ أنهكها الإهمال والعبث الإداري .

و حتى يكتمل فشل الدنيا و الأخيرة فإنهم فشلوا كذلك في ايجاد مقبرة جديدة للمدينة و لازال مشروعها يراوح مكانه خاصة ان مقابر المدينة قد قربت من الامتلاء و هنا نقول : الا تستحيون مشروع المقبرة التي تم طرحه في عدة دورات و مر عبر عدة مساطر ! وكأن العرائش تحوّلت إلى مصيدةٍ للحياة والموت معًا ! لا مفرّ للأحياء من شقاء العيش فيها، ولا مفرّ للأموات من انتظار فتوى إدارية تحدد متى وأين يُدفنون، ولأن الموتى لا يشكلون كتلة انتخابية، فلا عجب أن تظل قضية المقبرة مجرد “نقطة نظام” تُناقش بين دورةٍ وأخرى، تمامًا كما نناقش قضايا التنمية والتخطيط والبنية التحتية ! أي بكثيرٍ من الوعود، وقليلٍ من الفعل، وانعدامٍ تامٍ للحياء ؟ أيها المساخط إن “عزرائيل” ليست معه وساطة لا ينقصكم إلا أن تدفنوا العرائشين واقفين بعد موتهم، بعدما قتلتهم واقفين و هم في حياتهم !.

وإذا كان الحديث عن مشروع المقبرة يخضع لمساطر ومراجعات وتعديلات، فكأننا أمام عقد استثماري بملايين الدولارات، فمن يدري؟ ربما يكون في الأمر صفقة! لماذا لا يُطرح الموضوع من زاوية الاستثمار العقاري؟ قد تصبح القبور ملكياتٍ خاصةً تباع وتُشترى، وربما نشهد قريبًا برامج تمويل للقروض العقارية على الموت، مع خيارات مثل : الدفن بالتقسيط أو حتى “قبور الذكاء الاصطناعي” ، حيث يحصل الميت على شهادة وفاة إلكترونية وخدمات ما بعد الدفن !

نعم أيها السادة، نحن في عصر التحول الرقمي، فلماذا لا نُفكر خارج الصندوق؟ لماذا لا نُنشئ “مقبرةً ذكية” بتطبيقٍ إلكتروني يُتيح للموتى حجز قبورهم مسبقًا، ويدمج خدمات الدفع الإلكتروني؟ وربما، في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص، يُمكن أن تُعلن المدينة عن “صفقة استثمارية لخصخصة المقابر”، حيث يصبح الدفن امتيازًا محجوزًا فقط لمن يستطيع دفع ثمن الموت ، وإن كان لا بد من التكيف مع واقع السوق، فأقترح حلولًا إبداعية لحل الأزمة، مثل :

1_ التابوت الاقتصادي: قبر مشترك يتسع لعائلةٍ بأكملها !

2_ الدفن بالتقسيط :خدمةٌ تتيح لك شراء قبرٍ صغير الآن، على أن تتم ترقيته إلى قبرٍ أكبر لاحقًا عند تحسن ظروف السوق !

“قبور VIP”: 3_ منطقة فاخرة للموتى من الدرجة الأولى: مزودة بخدمات إنترنت وديكور عصري، مع إمكانية وضع إعلان تجاري فوق القبر، لأن العرائش مدينةٌ لا تفوّت فرصةً للربح !

4_ دفنٌ في البحر : و هو الحل الوحيد المتبقي لتنمية الثروة السمكية قد يكون في دفن الموتى في البحر، فربما يستغل “الخبراء” ذلك لإطلاق مشاريع استثمارية جديدة تحت شعار “مساهمة الموتى في الاقتصاد الأزرق”! ومن يدري؟ قد نسمع عن تقريرٍ حكومي يتحدث عن نجاح العرائش في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأسماك بفضل جثث سكانها ، وإن لم يكن البحر خيارًا، فربما يقرر صُنّاع القرار أن جثث العرائشيين تصلح كأساسات للبنايات الفخمة، حيث يمكن استخدام عظامهم لبناء فنادق ومنتجعات، فيصبح للمدينة وجه سياحي جديد، بفضل دماء أهلها الذين عاشوا وقوفًا، وماتوا وهم يدفعون الضرائب حتى بعد الفناء !

نعم ، العرائش مدينةٌ استثنائية، لها قوانينها الخاصة، فمن كان يظن أن أزمة العقار ستصل إلى الموتى؟ و أن يتحول عقار إلى عقار أقل ضيقا (مساحة طبعا) ! كيف لا، و”لوبيات” العقار في هذه المدينة تتحكم في مصير الأحياء والأموات على حد سواء؟ قد يأتي يومٌ نُفاجأ فيه بقرارات تُلزم الأموات بدفع ضرائب على القبور، أو تُخيرهم بين الدفن العمودي أو الحرق، توفيرًا للمساحات العقارية التي تحتاجها مشاريع الإسمنت والعمارات الفاخرة !

وفي انتظار أن يجد المسؤولون حلًّا يليق بموتانا، لا بأس أن نطالب بحقوق الموتى السياسية ، فمن يدري؟ قد يكونون أكثر تأثيرًا من الأحياء في المشهد الانتخابي القادم ، ما دام الأحياء أنفسهم يُعاملون كأمواتٍ وهم أحياء، فلتبقَ العرائش إذن مدينةً تتأرجح بين الحياة والموت، بلا قرار ولا مصير، حيث يُقتل الإنسان واقفًا في حياته، ثم يُدفن واقفًا عند موته… إن وجد قبرًا أصلًا ! أما أنتم، أيها الراقصون بثياب الغلمان، المنظّمون للسهرات المجانية، خدام “حزب الألوان”، ومقاولو الإسمنت والمقابر، فلكم مني دعاءٌ خالص: “الله يسلط عليكم الخلاء” .

Share this content:

Post Comment

الاخبار الاخيرة