العيون تختنق عطشًا… وساكنتها تدفع ثمن الماء الغائب

مع الحدث/ العيون

المتابعة ✍️ : سيداتي بيدا

في قلب الصحراء، حيث تُراهن الدولة على مشاريع التنمية الكبرى ورهانات التوسع العمراني، تقف مدينة العيون اليوم أمام أزمة مائية خانقة، حولت حياة ساكنتها إلى معاناة يومية بحثًا عن أبسط الحقوق: قطرة ماء.
المواطنون في العيون يستفيقون كل صباح على جفاف في صنابير منازلهم، ويضطرون للانتظار لساعات – وأحيانًا لأيام – قبل أن تعود المياه، وإن عادت، فهي لا تكفي لسد أبسط الاحتياجات اليومية. وفي المقابل، تُفاجئهم فواتير استهلاك الماء بأرقام مرتفعة وغير مبررة، مما يضاعف شعورهم بالظلم والإهمال.
ما يزيد من قسوة هذا الواقع هو أن هذا الحق في الماء منصوص عليه صراحة في الفصل 31 من الدستور المغربي، الذي ينص على أن الدولة تعمل على تعبئة الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات من الحق في الحصول على الماء. غير أن واقع الحال في العيون يكشف عن فجوة مؤلمة بين النصوص القانونية والتدبير الفعلي لهذا الحق.
يعاني السكان من ضعف في الفرشة المائية، وهي أزمة بيئية معروفة، لكن المقلق أكثر هو غياب حلول ناجعة ومستدامة من طرف الجهات المسؤولة. فشبكات التوزيع مهترئة، وصيانتها غائبة، وانقطاعات الماء تتكرر دون إشعار أو خطة واضحة للتغلب على الأزمة. ولا يجد المواطنون أمامهم سوى اللجوء إلى الصهاريج المتنقلة، التي تحولت إلى مورد رئيسي بدل أن تكون حلًا ظرفيًا.
الأزمة لا تقف عند حدود الانزعاج أو التضجر، بل تمسّ الكرامة الإنسانية في صميمها. فالأسر، خاصة ذات الدخل المحدود، تُرهقها تكاليف الحصول على الماء، سواء عبر الفواتير أو الشراء المباشر. الأطفال يذهبون إلى مدارسهم دون اغتسال، والمرضى لا يجدون ماءً كافيًا للعناية أو النظافة، في ظل درجات حرارة مفرطة تهدد الصحة العامة.
هذا الواقع يطرح تساؤلات ملحة حول مدى التزام المؤسسات المكلفة بالماء بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، كما ينص على ذلك الفصل 154 من الدستور، الذي يُلزم المرافق العمومية بتقديم خدمات ذات جودة للمواطن، ويُحمّل المسؤولين تبعات التقصير.
في ظل هذا الوضع، تبرز الحاجة إلى تدخل عاجل يضع حداً لمعاناة ساكنة العيون، من خلال إصلاح شامل للبنية التحتية، وضمان تزويد مستمر وعادل بالماء، ومراجعة نظام الفوترة بما يضمن الإنصاف، وفتح حوار شفاف مع المجتمع المدني حول واقع وحلول تدبير هذا القطاع الحيوي.
فالماء ليس ترفًا ولا خدمة ثانوية، بل هو أساس الحياة وشرط أساسي للكرامة. وأي إخلال بهذا الحق هو إخلال بالتزامات الدولة تجاه مواطنيها. وفي ظل هذه الأزمة، يبقى الأمل معقودًا على صحوة مسؤولة تُنقذ العيون من عطشها، وتحفظ حق أبنائها في الحياة الكريمة.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)