الفن الشعبي بين الرسالة الفنية وجاذبية “الشيخة”: هل انقلبت الموازين؟

مع الحدث : ذ لحبيب مسكر

 

في السنوات الأخيرة، أصبح المشهد الفني الشعبي المغربي يعيش مفارقة مثيرة للجدل: لم تعد الأغنية وحدها هي معيار النجاح، بل صار وجود راقصة (شيخة) تتوفر على “مقومات” معينة، جزءًا أساسيًا من معادلة الانتشار، لا سيما على منصات التواصل الاجتماعي، وتحديدًا تيكتوك.

 

الفنان الشعبي، الذي كان في الماضي يشدّ الجمهور بصوته وكلماته ونبض الحي الذي يأتي منه، صار اليوم يبحث عن وجوه راقصة جذّابة ترافقه في السهرات والحفلات وحتى مقاطع الفيديو القصيرة. وأصبحت “الشيخة” ـ التي لا نقلل من دورها التاريخي ومكانتها في التراث ـ محور العرض، لا فقط مكمّله. أحيانًا، تنقلب الآية: الجمهور لا يسأل عن اسم الفنان، بل عن “من ترافقه؟”.

 

عندما تصبح الجمالية هي أساس التقييم

 

التحول الخطير لا يكمن فقط في “إدخال الرقص” إلى فضاء الأغنية، بل في التركيز على المظهر، والجرأة، والإيحاءات أكثر من الموهبة أو القيمة الفنية. لقد أصبح العرض الفني عند البعض مناسبة لإبراز الشيخة الأكثر إثارة أو الأكثر جرأة، لا للاستماع إلى الكلمة أو التفاعل مع الإيقاع. تيكتوك، ووسائل التواصل عمومًا، زادت من تسريع هذه الظاهرة، وأدخلت الفن في دائرة “الترند اللحظي”، لا الجودة الدائمة.

 

الأطلس… منبع جديد لراقصات “اللوك الشقا”

 

ما يثير الانتباه هو أن فنانين شعبيين من مناطق دكالة والدار البيضاء و خريبكة وغيرها باتوا يتجهون نحو مناطق الأطلس، خاصة خنيفرة، مريرت، تيغسالين والمناطق المجاورة، للبحث عن “شيخات” يرتدين اللباس التقليدي المعروف بـ”الشقة” أو “اللوك الشقا الموزون”، والذي يميز راقصات الأطلس، لما يحمله من رمزية جمالية وهوية فنية خاصة.

 

هذه الشيخات، اللاتي يزاوجن بين الأصالة والحضور الجسدي الجذاب، أصبحن مطلوبات بشدة، لدرجة أن الطلب تجاوز العرض. بل إن البعض بات يُقيّم “قيمة” الشيخة في المنطقة بما تدرّه من مشاهدات وجمهور، لا بما تقدمه من أداء فني أو تراثي.

 

لنكن منصفين، الشيخة ليست عدوة الفن. بل هي جزء من الذاكرة الفنية الشعبية، وكانت دائمًا حاضرة في الأعراس والمواسم. لكن، الخطير اليوم هو استغلال الجسد لا الموهبة، وتحويل الفن إلى وسيلة لجذب الانتباه عبر الإغراء، لا الإبداع. هنا، يصبح من الصعب التمييز: هل نحن بصدد تطوير جديد في فن الأداء؟ أم تدهور في الذوق العام؟

 

الجمهور… ضحية أم شريك؟

 

السؤال الجوهري: لماذا تقبل فئات واسعة من الجمهور هذا التحول؟ لماذا لم يعد الناس يستمتعون بالكلمة واللحن؟ ولماذا صار البعض يخجل حتى من مشاهدة ما يُعرض أمامه، دون أن يستطيع أن يعترف بذلك علنًا؟

الجواب قد يكون في غياب التربية الفنية، وتحوّل المنصات الرقمية إلى مدارس لتشكيل الذوق بدل المؤسسات الثقافية.

 

خلاصة القول : الفن لا يُختزل في الجسد، ولا في عدد المتابعين على تيكتوك، ولا في رقصات مثيرة تُغطي على ضعف الكلمة أو اللحن. وبين فنان يبحث عن الانتشار بأي وسيلة، وجمهور تائه بين ما يُعرض عليه وما يريده حقًا، تضيع القيمة الفنية الحقيقية.

 

ربما آن الأوان أن نطرح السؤال بشجاعة:

هل نريد فنا يُغني الروح والعقل؟ أم عرضًا بصريًا عابرًا يخجل الناس من الحديث عنه جهراً؟

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)