متابعة : لحبيب مسكر
في مدينة مريرت، بعيدًا عن ضجيج المهرجانات وأضواء الاستعراض، يعيش رجل استثنائي يُدعى المكي أكنوز. وُلد سنة 1967، ومنذ شبابه انطلق في رحلة فريدة في عالم الفن والموسيقى، حتى أصبح اليوم واحدًا من أبرز حُرّاس الذاكرة الموسيقية في المغرب.
المكي ليس مجرد هاوٍ لجمع الأسطوانات، بل هو كاتب كلمات وأرشيفي ومؤرخ للثقافة الأمازيغية. وبفضل شغفه العميق بالموسيقى وتجاربه الممتدة، تمكن من جمع أرشيف يضم أكثر من 80,000اسطوانات من فئة 45\78\33\18 لفة و اكثر من 10,000 شريط كاسيت، بعضها يحتوي على تسجيلات نادرة لفنانين كبار لم تُنشر قط، وبعضها لم تعد تملكه حتى الشركات التي أنتجته.
حارس الزمن الجميل
أرشيف المكي ليس مجرد مجموعة صوتية، بل هو ذاكرة موسيقية حيّة تسجل ملامح التاريخ الفني المغربي والعربي والأمازيغي، وحتى الغربي. تتجاوز القيمة مجرد الأصوات، لتشمل القصص والذكريات التي يحتفظ بها عن كل قطعة موسيقية، وكل فنان مرّ من منزله، مثل الراحل الرايس رويشة والراحل الكاس، اللذان سجلا أعمالًا نادرة داخل جدران بيته.
من مرجع محلّي إلى وجهة وطنية ودولية
تحوّل منزل المكي إلى مرجع ثقافي لكل إعلامي، فنان، أو باحث، يبحث عن صوت غائب، أو معلومة أرشيفية، أو لحظة موسيقية طواها النسيان. أصبح بيته ملاذًا فنّيًا حقيقيًا لكل من أراد النجاح في برنامجه الفني أو العودة إلى الجذور العميقة للأغنية المغربية.
التنازل الكبير… من أجل أغنية
في لحظة من لحظات ولائه الشديد لهذا التراث، قام المكي بخطوة جريئة لا يفعلها إلا من عشق الفن حتى التماهي. تنازل عن قطعة أرض كانت في ملكيته مقابل نسخة نادرة من شريط كاسيت للراحل رويشة. هذا القرار أثار غضب والده آنذاك، لكنه بالنسبة للمكي لم يكن خسارة، بل ربحًا روحانيًا لا يُقاس بالمادة.
اختار الوفاء بدل الإغراء
رغم العروض المغرية التي تلقاها، بينها شيك على بياض من شركات إنتاج عالمية ومؤسسات فنية، رفض المكي بيع أرشيفه. حتى شركة Philips عرضت شراء نسخ من تسجيلاتها القديمة التي لم تعد تملكها، لكنه تمسّك بموقفه.
وقد فُتح معرض فني باسمه في مدينة مونتريال الكندية، حيث ساهم في افتتاحه بإهداء مجموعة من النسخ النادرة، إلا أنه لا يزال يُفضل أن يبقى أرشيفه في مريرت، حيث انطلقت الحكاية الأولى.
من بيت إلى مؤسسة… مجرد فكرة تنتظر اللمسة
يحمل المكي حلمًا بسيطًا وعميقًا: تحويل أرشيفه إلى متحف موسيقي أو مكتبة رقمية، ليظل مرجعًا مفتوحًا للأجيال، ومنارة تحفظ التراث الموسيقي المغربي من الضياع.
التقدير قبل الدعم
المكي أكنوز لا يطلب الأضواء، ولا يسعى إلى مجد شخصي. كل ما يحمله في قلبه هو طموح برؤية هذا التراث محفوظًا ومؤطرًا ومتاحًا للعموم. في وقت تُبذل فيه جهود لحماية الذاكرة الثقافية، أليس من الحكمة والعدالة أن نلتفت إلى هذه المبادرة الفردية؟
وأخيرًا…
المكي أكنوز ليس مجرد جامع أقراص، بل مؤرخ بصيغة الفن، وذاكرة تمشي على قدمين.
في مريرت، هناك رجل يُضيء في الظل…
فهل يلتفت الضوء إليه؟
تعليقات ( 0 )