يشهد ملف الصحراء المغربية اليوم تحولاً تاريخياً يعيد رسم ملامح نهاية نزاع دام نصف قرن، بعدما أكدت مسودة قرار مجلس الأمن الأخيرة أن مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 تمثل الأساس الواقعي والجاد لأي تسوية مستقبلية.
إنها لحظة فارقة تختزل مساراً طويلاً من العمل الدبلوماسي المتزن الذي قاده صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، بحكمة وبعد نظر، ليضع المجتمع الدولي أمام حقيقة واحدة: أن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو أسمى تجسيد لتقرير المصير، وأفق نهائي لحل النزاع المفتعل حول الصحراء.
فالمسودة، التي رحبت باستعداد الولايات المتحدة لاحتضان مفاوضات الحل، ودعت الأطراف إلى التفاوض دون شروط مسبقة، جسدت اعترافاً صريحاً بمكانة المغرب كشريك موثوق ومسؤول في المنطقة، وبمبادرة واقعية تضمن الاستقرار والأمن الإقليميين. كما مددت مهمة بعثة “المينورسو” لعام كامل، في إشارة واضحة إلى استمرار دعم الأمم المتحدة للمسار السياسي الذي ترعاه تحت إشراف أمينها العام.
ويُجمع المتتبعون أن هذا التقدم لم يكن وليد الصدفة، بل ثمرة رؤية ملكية استراتيجية جعلت من الدبلوماسية أداة لحماية السيادة وتعزيز التنمية. فمنذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس العرش، انتقلت الدبلوماسية المغربية من موقع الدفاع إلى موقع المبادرة، متسلحة بدبلوماسية هادئة وفاعلة، تجمع بين الحزم والذكاء السياسي، وترتكز على مبدإ احترام الشركاء والانفتاح على القوى الدولية الصاعدة.
ولم يكن هذا النجاح حكراً على المؤسسة الرسمية فحسب، بل كان ثمرة تفاعل وطني واسع، شاركت فيه وزارة الشؤون الخارجية باحترافية عالية، إلى جانب الدبلوماسية الموازية التي اضطلعت بها الأحزاب السياسية، والبرلمان، والمجتمع المدني، والإعلام الوطني، وحتى الجالية المغربية بالخارج التي تحولت إلى صوت قوي يدافع عن الوحدة الترابية في المحافل الدولية.
لقد استطاعت المملكة بفضل تماسك جبهتها الداخلية وحنكة مؤسساتها، أن توقف نزيف هذا النزاع الذي استغله خصومها لعقود. وها هي اليوم تحصد اعترافاً دولياً واسعاً، في وقت تتراجع فيه الدبلوماسية الجزائرية التي استثمرت أموالاً طائلة في دعم الانفصال وتأجيج الفتنة، لتجد نفسها أمام إجماع عالمي متنامٍ يعتبر أن “البوليساريو” مجرد كيان وهمي فقد كل شرعية سياسية وأخلاقية، وأن الجزائر تتحمل مسؤولية مباشرة في استمرار معاناة المحتجزين في مخيمات تندوف.
إن هذا القرار الأممي، بما يحمله من مضامين واضحة، ليس مجرد وثيقة تقنية، بل هو تحول سياسي عميق يؤكد أن المجتمع الدولي وصل إلى قناعة راسخة بأن الحكم الذاتي في ظل السيادة المغربية هو الحل الواقعي والنهائي، وأن أي محاولة للالتفاف على هذا المسار لم تعد تجد آذاناً صاغية.
وبهذا الانتصار، يواصل المغرب بقيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله مسيرته بثبات نحو طي هذا الملف نهائياً، وفتح آفاق جديدة للتنمية والاستقرار في الأقاليم الجنوبية التي أصبحت نموذجاً يحتذى في البناء والتقدم.
إنها معركة دبلوماسية تُدار بالعقل لا بالصوت العالي، وبالإنجاز لا بالشعارات، لتبرهن أن المغرب بلد سيادة، وعدالة، وتاريخ، يعرف أين يضع خطواته وكيف يصنع مستقبله بثقة ومسؤولية.


Comments
0