متابعة عماد سطات .
تستضيف جامعة الحسن الأول بسطات، ضمن سلسلة المحاضرات المفتوحة التي دأبت على تنظيمها، وينسق أشغالها عميد كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية بالجامعة عبد القادر سبيل وبحظور رئيس جامعة الحسن الأول الذكتور عبداللطيف مكرم بمدرج الندوات والمحاضرات بجامعة الحسن الأول بسطات محاضرة عن “الشعبوية”
المفكر والدكتورحسن أوريد الذي زهد في السلطة من بابها الواسع كأول ناطق باسم القصر الملكي في المغرب، يعمل أستاذا بجامعة محمد الخامس في الرباط، و شغل مناصب عديدة منها مؤرخ للمملكة المغربية، والحائز على جائزة بوشكين الروسية للآداب سنة 2015.
ولحسن أوريد كتب مهمة عديدة، منها “من أجل ثورة ثقافية بالمغرب” (2018)،”أفول الغرب” (2019)، “السياسة والدين في المغرب” (2020)، وكذا كتاب عالم_بلا_معالم الصادر سنة 2021 عن “المركز الثقافي العربي كتاب السعبوية وهو محور هذه الندوة. والكتاب يعدُ دراسة في مجال العلاقات الدولية وعلم المستقبليات وفق أرضية فكرية يستشرف فيها حسن أوريدبأدواته عن جائحة كورونا التي لم تخلق شيئا جديداً بل قامت بتعرية وضع متأزم أصلا. صحيح أنها أججت منه. في كل الأحوال نحن مقبلون على عالم ما بعد كورونا، وسنؤرخ لما بعدها.و أمام مشاكل جديدة، ذات طابع كوني، منها الخطر الذي يتهدد البيئة والاحتباس الحراري، والشعبوية، والدكتاتورية الرقمية والهجرة، التي تظل حسب خبراء ليست ذات اهتمام، ويقتصر التعامل معها إما من منظور أمني أو إنساني. هي أعمق من ذلك.
هناك قوة جديدة تحظى بقوة ناعمة وهي الصين، ظهر ما اصطلح عليه بـ “دبلوماسية الكمامات” في خضم الأزمة، و”دبلوماسية اللقاح”.
لم يسبق من خلال تتبع أن وقفت على نعت أحدٍ نظام الصين بالشعبوية. ربما يمكن وصفها بـ “الشمولية” ولكن ليس الشعبوية. أُقِرُّ بأن الشعبوية هو سؤال اليوم والغد، وينبغي بأن نلم بهذه الظاهرة الآيلة للاستفحال.اعتبرت مرض الديمقراطية، ولكن الشعبوية هي عرَض من أعراض أزمة الديمقراطية، وانتفاء سرد كبير، وضعف الهيئات الوسيطة. القاسم المشترك بين الاتجاهات الشعبوية اليمينية هي رفضها لما تسميه بـ “النخب”؛ وزعم احتكارها تمثيل الشعب، وتمجيد القوة، ورفض الآخر كما ترفض الأقليات، وهي لذلك وقود الإسلاموفوبيا، ورفضها للأقليات هو ما يهدد العيش المشترك، وهو ما تشهده أوروبا اليوم.
الأخطر أن الشعبوية لم تعد مقتصرة على التنظيمات اليمينية المتطرفة، بل أخذ خطابها يتسلل إلى بنية الدولة. السؤال المُضمر “هل يمكن أن تتطور الشعبوية نحو الفاشية؟”؛ هناك باحثون يتخوفون من إمكانية هذا الانزلاق.
هل الكآبة الوجودية في أوروبا عرض لمرض يشي بتفكك الاتحاد الأوروبي؟ أم أنها مجرد أزمة أونطولوجية ؟
أوظف المفاهيم التي يستعملها الغرب أن أوروبا تعيش أزمة وجودية، وعبر عن هذه الأزمة بأن هذه الكآبة ليست مرتبطة بالاقتصاد بل بالخوف؛ استبداد هذا الشعور هو الذي يحول دون أن تصبح أوروبا قوة.
وبغض النظر عن أي سجال سياسي، هناك أزمة داخل الاتحاد الأوروبي استفحلت مع البريكست. أوروبا عملاق اقتصادي وقزم سياسي. أو ما يعبر عنه بكونها سويسرا كبيرة، فضلا عمّا يسمى وصاية بروكسل، أو حكم التكنوقراط الأوروبيين مع نظرائهم المحليين، مما يعطل السيادة الشعبية وهذا مااشار له الذكتور حسن اوريد كما أوضح في كتابه بتحول النفط من نعمة إلى نقمة ؟
وقال بأن النفط جزء من لعنة عامة، ومنها لعنة الجغرافية، أي الجوار مع أوروبا ومخلفات الصراع الأيديولوجي المزمن بين الإسلام والمسيحية. في أول مؤتمر جمع مستضعفي العالم، الذي كان نواة عدم الانحياز، بباندونغ سنة 1955، كان يُنظر إلى 3 قوى حضارية، وهي الصين والهند والعالم العربي.
ويبين أنه بعد 60 سنة نجح كل من الصين والهند، أما العالم العربي فلم يشكل قوة بديلة، والوضع الحالي ليس في مستوى التطلعات التي كانت تحملها مرحلة بعد الحرب العالمية الثانية. واقع الحال يجعلنا أمام دول متخلفة وفقيرة، باستثناء دول الخليج بفضل طفرة النفط.
لم يسهم النفط في خروج العالم العربي من التخلف ليكون قوة وازنة. هناك سؤال آخر أعمق من عامل النفط، وهو الوحدة. هل وحدات العالم منسجمة أو قابلة للانسجام أم متباينة؟
هناك تيارات تقول إنه ليس هناك “عالم عربي”، هناك دول عربية وصعب أن نتحدث عن “عالم عربي”. في السياسة كما في الحياة، الناجح هو من يفرض تصوره، والذي أخفق يتحمل حكم الناجح عليه. العالم العربي فوت فرصاً تاريخية مهمة ليُخرج نفسه من دائرة التخلف ويتحول لقوة و”مالكاً لزمام أمره”، والحال أن العالم العربي يشكو من لعنة عدم الاستقلالية (Heteronomy). لا شيء يمكن أن يتحقق من دون استقلالية القرار، واستقلالية القرار لا يمكن أن تقوم من دون حد أدنى من القواسم المشتركة. والحدود الدنيا تم الإجهاز عليها، ويتم الإجهاز عليها.
شهد مرور عقد على الانتفاضات العربية ورغم أن الكاتب حسن اوريد لم تُفرد للثورات العربية في كتابه القيم حيزاً كبيراً ولكنه لم يتنسها، إذن ماذا يمكنك قوله بخصوصها الآن؟
صحيح أن الذكتور تناولها في عرَضه، لأن الموضوع يستحق عملا منذورا لفهم هذه الحالة، من الانتفاضات إلى الانتكاسة. كان للانتفاضات مسوغها بالنظر لعوامل موضوعية، كان قد وقف عليها تقرير لمنظمة الأونكتاد (الأمم المتحدة للتجارة والتنمية) حول التنمية البشرية سنة 2002.
وكما يقول المثل “فلا بد للمصدور أن ينفث”، فإن التعبير عن الضُّر ليس هو العلاج، صحيح أن العالم العربي عبر عن أناتِه من خلال رفضه للاستفراد بالسلطة، والاستحواذ على الثروة، وعبر عن توقه ليعيش كما نادت أوروبا الشرقية بعد سقوط حائط برلين.
التعبير عن الآلام والتطلعات شيء، والعلاج شيء آخر، عدم وجود علاج أو تصور هو الذي أنجح الثورة المضادة. هل خمد البركان بصفة نهائية؟
أم ربطتموه بالعالم “الرقمي”، ما تأثير ذلك على الإنسان المعاصر وعلى الديمقراطية؟
ننطلق من الواقع،الذي يقول إن الأدوات الرقمية استُعملت من طرف الأنظمة، ديمقراطية كانت أم استبدادية، للتضييق على الحرية. يشير الذكتور حسن اوريد هنا إلى خطر تتبع التقنية للجميع، فكل شيء اليوم بات عرضة للتتبع. أن يكون هذا التتبع لمسوغات أمنية مقبول، ولكن أن تستعمل التقنية من أجل تقليص الحريات الفردية هو الأمر المرفوض.
الأدوات القانونية لضبط هذه الظاهرة لا تزال متخلفة عن ركب التطور الرقمي في زمن التقنية.الفاشية مرض القرن العشرين، إذا ولابذ أن تطرح أسئلة؟
أفلا تكون الشعبوية مرض القرن ؟
هل هي السؤال الكبير” بعد كل من الشمولية والعولمة والنيوليبرالية والراحة الإسلامية.؟
وهل تكون الشعبوية البديل بعد نفوق السرديات الكبرى ؟
يعرض الكاتب والروئي للجذور التاريخية للشعبوية ولأوجهها المتعددة، وللعلاقة الملتبسة التي تربط ما بينها وبين الفاشية وقواعدها الناظمة تبرز الشعبوية كعرض لتوعك الديمقراطية، لكنها من منظور أصحابها، هي ما يعيد للديمقراطية وهجها باقترانها بالشعب وسيادته.
تبدو الشعبوية مدا كاسحا في أوربا الغربية والوسطى، وأرجاء عدة من العالم. فهل يسلم العالم العربي من إغرائها ؟ وهل تكون غطاء للسلطوية ؟ هي القضايا التي يعرض لها الكتاب ويسعى أن يستجلي مكنوناتها.
Share this content:
إرسال التعليق