متابعة أفندي إبراهيم.
الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ترصد مظاهر وأسباب الفقر والهشاشة في المغرب وتطالب الدولة بنهج سياسات عمومية شعبية بديلة تضمن للمواطنين/ات الحق في العيش الكريم واعتماد برامج تنموية عاجلة تهدف إلى تحقيق تنمية اجتماعية فعلية تنطلق من مراجعة توزيع الثروة المنتجة عبر تحسين عام للدخل والقضاء على البطالة وتعميم الخدمات العمومية وتحسينها والقضاء على مظاهر الفساد المستشري في أعلى هياكل الدولة.
في 17 أكتوبر من كل سنة، الذي يصادف “اليوم الدولي للقضاء على الفقر”، والذي تخلده الأمم المتحد، هذه السنة، تحت شعار: “العمل اللائق والحماية الاجتماعية – وضع الكرامة موضع التنفيذ للجميع”، يقف المجتمع الدولي على أوضاع الفقراء عبر العالم ويجدد الالتزام بمحاربة الفقر بكل مظاهره، عبر برامج وأجندات متوالية منذ عقود. إلا أن دائرة الفقر مازالت في اتساع متصاعد، حيث تشير الإحصائيات الرسمية الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن 1.3 مليار شخص في “البلدان النامية” يرزحون تحت “الفقر الحاد متعدد الأبعاد”، 60% منهم يعيشون بإفريقيا جنوب الصحراء الغنية بثرواتها الباطنية والبحرية والغابوية وبعقول وسواعد بناتها وأبنائها. وتمثل النساء 60% من الأشخاص في وضعية الفقر المدقع عبر العالم.
أما في المغرب، فلا يختلف الوضع سوى في كونه أصبح ممأسسا وممنهجا، وعوض أن تعمل الدولة على محاربة الفقر والهشاشة في صفوف الأغلبية من المواطنين/ات، اهتدت إلى “ابتكار” سجلات وخرائط وبطائق ومصالح إدارية ومهرجانات مصورة للإيهام بعزمها القضاء على الفقر… مما يجعلها تقر وتؤكد أن الفقر هيكلي وليس ظرفيا أو مرتبطا بتحولات طبيعية (كالجفاف) أو بأزمات عالمية عابرة (كورونا، حرب أكرانيا…).
إن الزلزال المدمر الذي ضرب عدة مناطق بالمغرب، وخاصة حوز مراكش يوم 8 شتنبر الماضي، مخلفا آلاف القتلى والمعطوبين والأيتام والأرامل وعشرات الآلاف بدون مأوى، قد كشف عن أوجه الفقر المتفشي في أغلب البوادي وهوامش المدن المغربية؛ كما سلط الضوء على الفوارق الاجتماعية والمجالية التي تتفاقم، سنة بعد أخرى، بفعل الاختيارات الطبقية والسياسات العمومية المملاة من المؤسسات المالية الدولية (صندوق النقد الدولي، البنك العالمي…)، والتي تشرف على تنفيذها الحكومات المتعاقبة على الأقل منذ سنة 1983 تاريخ تطبيق برنامج التقويم الهيكلي بالمغرب. هذا البرنامج الذي دشن لتخلي الدولة عن التزاماتها الدولية ومسؤولياتها الاجتماعية المحددة في المواثيق الدولية، ولخوصصة مئات المؤسسات العمومية، ولتسليع المواد والخدمات الاجتماعية وإخضاعها لقانون السوق عبر الإلغاء التدريجي لصندوق المقاصة الذي تقلصت ميزانيته من 53.4 مليار سنة 2012 إلى 26 مليار درهم سنة 2023. مما أدى إلى ارتفاع مهول في الأسعار وتدهور غير مسبوق للقدرة الشرائية لأغلب المواطنين/ات في ظل سيادة المضاربات وغياب المراقبة على المواد والخدمات الأساسية.
لقد اكتسح طوفان الخوصصة مجالات الصحة والتعليم والنقل العمومي والاتصالات وباقي الخدمات الاجتماعية، وآخرها الماء الشروب والكهرباء الذي أصدرت الحكومة بشأنهما قانون رقم 21-83 في يوليوز الماضي، يقضي بتسليع وإخضاع الماء والتطهير والكهرباء والإنارة العمومية لقانون السوق وبالتالي تعميق الفقر الذي ترزح تحت ناره فئات عريضة من الشعب المغربي. وبنفس المنطق، الذي يستهدف تسليع القطاعات الاجتماعية وجعلها بيد الرأسمال المتوحش الذي لا يهمه سوى مراكمة الأرباح على حساب حقوق المواطنين/ات، التجأت الدولة إلى إصدار قوانين مجحفة تستهدف استئصال السكان الأصليين من أراضيهم، وفي مقدمتها القانون 17-62 الخاص “بالوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها” الصادر سنة 2019، مما سيعمق من مظاهر الفقر وسط مالكي أكثر من 15 مليون هكتار من أراضي الجموع الذين يفوق عددهم 10 ملايين شخص والذين يعانون، في الأصل، من الفقر والهشاشة.
وتكشف الإحصائيات الرسمية عن وجود عدد من بؤر الفقر بالمغرب، وضمنها سوق الشغل الذي يتميز ببطالة جماهيرية بلغ معدلها 12.4% في منتصف سنة 2023 (1.543.000 شخص) وخصوصا في صفوف النساء (17%) والشباب من 15 إلى 24 سنة (33.6%). وهو ما يبين أن سمات وظروف الشغل بالمغرب تجعله بعيدا عن حماية المشتغلين من الفقر فبالأحرى تحقيق الكرامة لهم ولأسرهم. ذلك أن 12.3% (1.346.000 شخص) يشتغلون بدون دخل، خصوصا في العالم القروي (27.3%)، ناهيك عن مظاهر الهشاشة المتنامية في أوساط الشغيلة. أما التغطية الصحية فهي لا تتوفر سوى لأقلية من المواطنين/ات، حيث مازال 73.4% من الناشطين المشتغلين محرومين من هذا الحق وخصوصا في العالم القروي (90.6% سنة 2022).
وقد تعمقت ظاهرة الفقر بالمغرب بتوالي أزمات الرأسمالية (أزمة الديون، الأزمة المالية، كوفيد19…) وآخرها موجة الغلاء التي شملت المواد والخدمات الأساسية، حيث بلغت نسبة التضخم العام 4.9% في شهر يوليوز 2023، كما بلغت 11.7% بالنسبة للمواد الغذائية التي لا غنى عنها لتحقيق الحق في الغذاء وفي الصحة. هذا في حين ظلت الأجور جامدة والضرائب على الدخل وعلى الاستهلاك مرتفعة.
وأثبتت التجربة المغربية أن الخطاب الرسمي وكل “الخطط” و’المبادرات” التي أعلنتها الدولة على مدى عقود “لمحارة الفقر” لم تمنع من تعمقه وتوسعه ليشمل فئات جديدة (الشباب، النساء، حاملي الديبلومات، العمال وصغار الفلاحين، الحرفيين، الموظفين الصغار والمتوسطين…) مادامت لم تتجه للأسباب العميقة لهذه الظاهرة.
لذا فإن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إذ تذكر بالتزامات المغرب الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وباقي المواثيق والاتفاقيات الدولية، تدعو الدولة إلى الإسراع في وضع برامج عاجلة تهدف إلى تحقيق تنمية اجتماعية فعلية تنطلق من مراجعة توزيع الثروة المنتجة عبر تحسين عام للدخل والقضاء على البطالة وتعميم الخدمات العمومية وتحسينها والقضاء على مظاهر الفساد المستشري في أعلى هياكل الدولة بواسطة تفعيل مبدأي “عدم الإفلات من العقاب” و”من أين لك هذا؟”؛ وتحريك المتابعات القضائية في حق كل من تحوم حوله الشبهات مهما كان منصبه وموقعه الاجتماعي، مما يقتضي الإقرار الدستوري بدور الدولة كضامن للحقوق الواردة في المواثيق المذكورة أعلاه وهو ما يتطلب تعديل الفصل 31 من الدستور؛ والتراجع عن مجموع السياسات النيولبرالية المفروضة على بلادنا من لدن صندوق النقد الدولي والبنك العالمي وباقي المؤسسات الإمبريالية؛ ونهج سياسات عمومية بديلة انطلاقا من قانون المالية 2024؛ والدخول في حوار اجتماعي فعلي لتلبية المطالب العالقة لفئات المعطلين والعمال والموظفين ومجموع الفئات الكادحة بالمغرب.
المكتب المركزي
الرباط17 أكتوبر 2023
Share this content:
إرسال التعليق