بين الأمل والفوضى: صوت وطن جريح

مع الحدث : ذ لحبيب مسكر

أردت أن أكتب في موضوع بعيد عن صخب الشارع وضجيج الأحداث، لكن كل محاولة للهرب من الواقع تنتهي في نفس النقطة: صور المظاهرات، الهتافات المطالبة بحقوق مشروعة في صحة وتعليم يليقان بالكرامة الإنسانية، ثم تلك الانفلاتات التي شوّهت المشهد وأدمت القلوب.

لم يكن المغاربة يتوقعون أن تتحول لحظات الأمل في التعبير السلمي عن الحقوق إلى مشاهد مؤلمة من الفوضى والتخريب. فبينما خرج الآلاف من المواطنين للمطالبة بتحسين أوضاع الصحة والتعليم والعيش الكريم، تسللت قلة جعلت من الشارع ساحة للتدمير والتكسير، في مشهد لا يشبه روح المغاربة ولا قيمهم.

ليس سهلاً أن ترى أحلام جيلٍ بأكمله تُختزل في لقطات مؤسسات عامة تحترق، وبنوك تُقتحم، ومحلات يكد أصحابها لسنوات تُكسر في لحظة. الأصعب من ذلك أن تدرك أن بيننا من يملك الجرأة على الاعتداء على ممتلكات عامة وخاصة، وعلى أشخاص لم يقترفوا ذنباً سوى أداء واجبهم.

إنها حالة نفسية قاسية؛ أن تتأرجح بين الفخر بشباب خرج يطالب سلمياً بحقه المشروع، وبين الأسى من قلةٍ أرادت أن تجر الوطن نحو فوضى لا تشبه المغاربة ولا قيمهم. ولعل الأخطر أن أيادي خارجية لا تخفي رغبتها في صب الزيت على النار، مستغلة لحظة الغضب الجماعي لدفع البلاد نحو عدم الاستقرار.

وما يزيد الألم هو خروج قاصرين في أعمال شغب لا يفقهون عواقبها، وهي نتيجة مباشرة لغياب التربية والتوجيه الأسري أولاً، ثم ضعف المنظومة التعليمية ثانياً، التي عجزت عن غرس قيم المواطنة والوعي. فالشاب الذي لا يجد من يرشده يصبح لقمة سائغة في يد من يحرض على العنف أو يستغله لأجندات خفية.

كنا نحلم أن نرى وطننا ينافس الأمم في التقدم والعدالة، فإذا بنا نُفاجأ بمشاهد تُعيدنا خطوات إلى الوراء. وليس من العدالة أن تختلط المطالب المشروعة بأعمال التدمير والتكسير، ولا من الوطنية أن يُشوَّه وجه بلدنا بمظاهر العنف.

اليوم، يقف المغاربة أمام مفترق طرق نفسي قبل أن يكون سياسياً أو اجتماعياً: إما أن نسمح لليأس أن يتغلغل فينا، أو نتمسك بالأمل ونواصل الدفاع عن حقوقنا بطرق سلمية تحفظ للوطن وحدته وكرامته. ورغم الألم والدموع، تبقى القناعة راسخة بأن الغالبية الساحقة من أبناء الوطن تريد الإصلاح بالتي هي أحسن، وأن البناء لا يتحقق إلا بالعقلانية والحوار، أما الفوضى فلن تصنع مستقبلاً.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)