مع الحدث : ذ لحبيب مسكر
في مثل هذا اليوم من عام 10 ربيع الثاني 1420 هـ، ودّع المغرب ملكه الحسن الثاني، رحمه الله، بعد مسيرة طويلة حافلة بالعطاء والتحديات. كان رحيله لحظة مفصلية في تاريخ المملكة، وقد تميّز يوم جنازته بحضور أكثر من مليوني مغربي، بالإضافة إلى وفود رسمية وقادة دول من مختلف أنحاء العالم، مما يعكس المكانة المرموقة التي كان يحظى بها الملك الحسن الثاني وتقدير المجتمع الدولي لدوره كزعيم وقائد.
ولد الحسن الثاني في 9 يوليو 1929م بمدينة الرباط، الابن الأكبر للملك محمد الخامس، ونشأ في أجواء القصر الملكي حيث تلقى تعليمه الأولي في المدرسة القرآنية بالقصر الملكي، قبل أن يكمل دراسته في فرنسا وينال شهادة الماجستير في القانون العام عام 1952م. هذه الخلفية الأكاديمية منحت له رؤية واضحة للمسؤولية الوطنية والقيادة.
قبل أن يتولى العرش، كان وليًا للعهد منذ عام 1957م، وقائدًا عامًا للقوات المسلحة ووزيرًا للدفاع، ولعب دورًا مهمًا أثناء فترة منفى والده، ليكون حلقة وصل بين الملك والشعب. بعد وفاة والده في 1961م، اعتلى الحسن الثاني العرش ليبدأ مرحلة جديدة في تاريخ المغرب.
امتد حكمه لأكثر من ثلاثة عقود، شهدت الكثير من التحديات والإنجازات التي تركت بصمة واضحة. قاد “المسيرة الخضراء” عام 1975م، حيث سار 350 ألف متطوع سلمياً لاسترجاع الصحراء الغربية، وهو إنجاز أصبح رمزًا للوحدة الوطنية. اهتم بالتنمية الاقتصادية من خلال بناء السدود التي سهلت سقي مليون هكتار، وأصدر ظهير 1973م لتعزيز الإدارة المغربية.
سعى أيضًا إلى المصالحة مع المعارضة، فأوكل عبد الرحمن اليوسفي رئاسة الحكومة عام 1998م، في خطوة سياسية بارزة نحو التعددية. على الصعيد الدولي، لعب دور الوسيط في النزاع العربي الإسرائيلي، وكان رئيسًا لـ”لجنة القدس”، مدافعًا عن قضايا الأمة العربية، وجسرًا بين الثقافات. كما أسس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، مؤسسًا لحوار وطني حول حقوق المواطن.
لم تكن طريق الحسن الثاني سهلة، فقد واجه محاولتي انقلاب عامي 1971م و1972م، وأزمات سياسية وصراعات إقليمية وانتقادات داخلية، لكن هذه التحديات شكلت جزءًا من تجربته وصقلته كزعيم.
رحل الحسن الثاني في عام 1999م عن عمر ناهز السبعين، مخلفًا إرثًا سيبقى جزءًا من التاريخ المغربي. وجنازته التي شهدت حضورًا كثيفًا من المغاربة وزعماء العالم كانت شهادة على المكانة التي كان يحظى بها، تقديرًا لجهوده ودوره في الساحة الدولية. اليوم، لجيلنا مهمة فهم هذا التاريخ ليس كقصة ماضٍ، بل كدرس في القيادة والصمود والرؤية الوطنية، ليبقى الحسن الثاني رمزًا لمرحلة مهمة من مسار المغرب، يرويها التاريخ بكل فخر واعتزاز.
تعليقات ( 0 )