حفل طوطو… الجمهور اختار فهل استوعبنا الرسالة؟

مع الحدث

المتابعة ✍️: : ذ لحبيب مسكر

في خضم الجدل الذي رافق حضور “طوطو” إلى إحدى المنصات الكبرى، كثر الحديث عن الجهة التي دعته، وكأنها وحدها المسؤولة عن الظاهرة، بينما الواقع يفرض علينا طرح أسئلة أعمق وأكثر صدقًا. فالفنان، أيا كان، لا يُستدعى إلى فضاء فارغ. إن ما يعطي “طوطو” مكانته ليس قرارات لجنة تنظيم، بل آلاف الحاضرين الذين قصدوا حفله بإرادتهم، وبحماسهم، ورغبتهم في الانخراط في تجربة فنية تشبههم، أو تعبّر عنهم، أو تمنحهم ببساطة لحظة هروب من واقع يومي مرهق.

لا يمكننا لوم المنصة من دون أن نلوم أنفسنا كمجتمع، كأسر، كمدرسة، كفضاء ثقافي، لأن من كان في الحفل ليسوا غرباء، بل هم أبناؤنا، إخوتنا، جيراننا، وهم يعكسون حاجات حقيقية لا يعالجها الخطاب النخبوي أو التحسر على “انهيار الذوق العام”. الذين حضروا لم يذهبوا ليحتفلوا بالتفاهة، بل لأنهم لم يجدوا بديلا جذابًا يلامس وجدانهم، ولأن التوتر الاجتماعي الفني والثقافي فتح الباب لصعود من يملك الإيقاع، اللغة، والوسيلة التي تصل إلى الجيل الجديد.

الأزمة الحقيقية ليست في من دعى طوطو، بل في غياب البديل الذي يتحدث بلغة الناس دون أن يضعهم في موضع المتلقي الخاضع أو التلميذ المحتاج للتربية. الخطأ ليس في أن يملأ فنان شاب المنصة، بل في أن يبقى الخطاب الثقافي البديل غائبًا، مترددًا، أو محصورًا في قاعات خاوية ونقاشات لا تصل إلى الشارع. وطوطو، سواء اتفقنا مع أسلوبه أم لا، يبقى نتاج لحالة، لبحث شبابي عن التمرد والانتماء والتعبير، بأبسط وأقسى الطرق الممكنة.

إننا نخطئ حين نحصر الفن في دور تعليمي أو وعظي. الفن له وظائف متعددة، منها الترفيه، خلق المتعة، التنفيس، ولحظات من الانفصال المؤقت عن الواقع. حضور طوطو لا يعني نهاية كل ما هو راقٍ، بل فقط أن هذا الراقي لم يعد مسموعًا لدى جمهور واسع. بدل أن نهاجم هذا الجمهور، علينا أن نسأل: لماذا فقدنا تواصلا فعّالًا معه؟ لماذا لم تعد مشاريعنا الثقافية تصل إليه؟ ولماذا أصبح “البديل” أكثر جاذبية، حتى وإن بدا صادمًا أو فجًا للبعض؟

من السهل انتقاد ما يحدث على المنصة، لكن الأصعب أن نواجه مسؤولياتنا ونقرّ بأن الظاهرة نتيجة تراكمات اجتماعية وثقافية، لا مجرد اختيار فني عابر. طوطو ليس المشكلة، بل هو تجلٍّ لمشاكل أعمق: في التعليم، في التثقيف، في الإعلام، وفي غياب مشروع ثقافي شامل ومُقنع. إن كنا نريد التغيير، فلن يتحقق بالشجب وحده، بل بخلق فضاءات موازية، وبناء خطاب فني جديد، وقبل ذلك كله، بالاقتراب من نبض الشارع، لا احتقاره.

والتغيير الحقيقي لا يبدأ من فوق بل من البيت. من قدرتنا على الحوار مع أبنائنا، على فهم ما يتابعونه ومناقشته معهم بوعي لا بقمع، بتوجيه لا بتخويف، بتحسيس لا بتلقين. جيل اليوم لا يُربى بالمنع وحده، بل بالقدرة على فتح النقاش، والاستماع، ومرافقتهم لبناء وعي فني وثقافي نابع من الثقة لا من السيطرة. فإذا استطعنا أن نربح الحوار داخل المنزل، حينها فقط يمكن أن نغير ما يُبث على المنصة.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)