“حين تتحوّل المدن إلى منصات كبرى: المعارض الموسمية بين الحلم التنموي والواقع المجالي”

“حين تتحوّل المدن إلى منصات كبرى: المعارض الموسمية بين الحلم التنموي والواقع المجالي”

 

هند بومديان

في كل سنة، تنبض بعض المدن المغربية بنبض مختلف، حياة مؤقتة مفعمة بالحركة والوعود، حين تحتضن معارض موسمية كبرى تغيّر وجه المدينة وتشدّ الأنظار الوطنية والدولية. ومعرض الفلاحة الدولي بمدينة مكناس هو واحد من أبرز هذه الفعاليات، ليس فقط باعتباره تظاهرة اقتصادية ضخمة، بل كمرآة تعكس دينامية التنمية في المجال الفلاحي وتطرح في الآن ذاته أسئلة عميقة حول العدالة المجالية، الاستدامة، وجدوى هذا النوع من التظاهرات.

مكناس… مدينة ترتدي عباءة دولية لأيام معدودات

حين يحل موعد معرض الفلاحة، تتحوّل مكناس من مدينة مغربية تحمل تاريخًا عريقًا إلى مركز اهتمام قاري وعالمي، تستقبل وزراء وخبراء ومستثمرين وشركات من مختلف القارات. تنشط الفنادق والمقاهي، وتنتعش الأسواق، وتظهر المدينة كما لو أنها تستعيد بريقًا كان مفقودًا.

لكن، ماذا بعد المعرض؟
هل ينعكس هذا الزخم على البنية التحتية للمدينة؟ هل يحسّ الفلاح الصغير الذي يسكن القرى المجاورة بأي أثر فعلي لهذا الحدث؟ وهل تبقى المعرفة التقنية والمعدات المتطورة التي تُعرض في متناول اليد بعد نهاية التظاهرة؟

المعارض الموسمية… بين الفكرة والممارسة

المعارض، في جوهرها، لحظة احتكاك وتبادل، مساحة لتلاقي الأفكار والمنتجات والثقافات. لكنها أيضًا اختبار حقيقي لمدى قدرة الدولة على ضمان أن تنعكس هذه اللحظات الاستثنائية على المعيش اليومي للساكنة، خصوصًا في المدن التي تستضيفها.

معرض مكناس يعري واقعًا مركبًا: مدينة تعاني من الإهمال، تلبس زيًا عالميًا لأسبوع، ثم تعود لرتابتها. وفلاح مغربي صغير لا زال ينتظر الدعم، بين حلم العرض الفلاحي الضخم وواقع المعاناة مع الماء، السوق، والوسيط.

نحو عدالة معرضية

قد يكون السؤال الأهم هو: كيف نجعل من هذه المعارض الموسمية قاطرات تنموية حقيقية؟
كيف نحوّلها من مناسبات احتفالية إلى مشاريع تمتدّ آثارها على مدار السنة؟
وكيف نعيد ربط المدينة والقرية، المركز والهامش، عبر هذه الديناميات؟

ليس المطلوب إلغاء المعارض، بل إعادة التفكير فيها. إعادة توزيع أدوارها، إشراك الفئات المهمّشة، بناء جسور دائمة بين العرض والطلب، بين السياسة والواقع، بين الشعارات والتنفيذ.

معرض الفلاحة بمكناس نموذج ناجح شكليًا، لكنه يحمل بين طيّاته تحديات تنموية ومجالية عميقة. هو مرآة لبلد يسعى للتحديث، لكنه لا يزال يتلمّس طريق العدالة المجالية.
المعارض الموسمية ليست فقط مناسبات للاستهلاك والانبهار، بل فرصة لإعادة بناء العلاقة بين الإنسان، الأرض، والسياسات العمومية.

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)