متابعة عبد الرزاق قطني
يستعد داود اولاد السيد لاطلاق فيلمه الجديد “المرجة الزرقاء”، تجربة تسير وفق النسق السينمائي الذي عودنا عليه صاحب “باي باي سويرتي”، و”عود الريح”، و”في انتظار بازوليني”، و”الجامع” و”كلام الصحرا”، حيث الوفاء لفضاء الصحراء والمراهنة على المتعة البصرية، من خلال مشاهد تتقاطع وتتوحد فيها، بشكل خلاق، الفنون البصرية، اساسا منها الفوتوغرافيا والتشكيل، الى جانب توظيف التراث الموسيقي والأزياء العادات والتقاليد الغنية المنتمية لمناطق منسية هناك في جنوب الجنوب.
هامش الهامش وشخصيات تعيش على الكفاف والعفاف والبحث عن السعادة المفقودة. طفل أعمى وآلة تصوير وجد يعاني من آلام ظهر نتيجة حادثة سير سابقة، وبحث وسط الكثبان الرملية عن بحيرة زرقاء سحرية. البحث هنا ليس بحثا ماديا محسوسا بقدر ما هو بحث جواني في الذات البشرية، في روح طفل لا يرى لكنه يرى كل شيء، ويتفاعل وجدانيا وابداعيا، يهزم العجز والفقر بالأسئلة والتصوير، والإصرار على الوصول للمكان الذي يحلم به ويريد، مكان السعادة المشتهاة المخفية المختفية بين الكثبان الرملية لواقع معاش، واقع الضنك والكليشيهات والجهل بالأحلام البشرية اللامحدودة.
الطفل المهووس رغم آفة فقدان البصر يلتقط صورا لما يحس به، يحاول تسجيل ما لا يرى، يصر على تحدي العوائق قافزا ببراءة على سخرية الناس، على أسئلتهم العجيبة على فهمهم البسيط لمعنى أن تكون إنسانا لا يؤمن بالمستحيل أو الخضوع للعاهة والقدر.
إلى جانب جمالية فضاءات الصحراء، صحراء آسا في مناطقنا الجنوبية، التي تشد النفس وتمتع العين فإن أداء الطفل جاء جد واقعي، أداء جعلني ارفع القبعة لداود ولكيفية إدارته لطفل لم يقف من قبل أمام الكاميرا إضافة لكونه مكفوفا. أما محمد خيي فلا حاجة للتذكير بموهبته وقوة أدائه، بل يمكن أن أقر انه كان في هذا الشريط مشخصا فوق العادة، ممثل متفوق على ما قدمه من قبل….
مبروك لداود اولاد السيد، ومبروك للسينما المغربية.