مع الحدث
المتابعة ✍️: لحبيب مسكر
في زمن تتقاطع فيه مصالح الدول الكبرى وتتبدل فيه موازين القوة بسرعة غير مسبوقة، نجد أنفسنا معنيًين بما يدور في العالم من صراعات استراتيجية، خاصة مع اتساع دائرة التنافس لتشمل أفريقيا والشرق الأوسط، وهي مناطق ترتبط بها مصالح المغرب بشكل مباشر. من هنا تأتي أهمية قراءة المشهد الدولي لفهم موقع القوى العظمى ودورها في رسم مستقبل النظام العالمي.
الصين: قفزة اقتصادية وتفوق تقني
برزت الصين كقوة صاعدة تتحدى الولايات المتحدة في قطاعات استراتيجية، خصوصًا في مجالات التكنولوجيا والطاقة النظيفة. فقد تفوقت شركة “بي واي دي” الصينية على “تيسلا” الأمريكية في مبيعات السيارات الكهربائية سنة 2024، وابتكرت بطاريات متطورة تُشحن في خمس دقائق، ما يعزز ريادتها في التحول الطاقي.
وعبر مبادرة “الحزام والطريق”، عمّقت بكين حضورها في القارة الأفريقية والمنطقة العربية، ولعبت دورًا سياسيًا بارزًا بتقريب وجهات النظر بين دول مؤثرة مثل السعودية وإيران، في تحول نوعي لدورها الدبلوماسي.
الولايات المتحدة: بين التفوق والضغط الداخلي
رغم استمرار سيطرتها العسكرية ونفوذها السياسي، تواجه الولايات المتحدة تحديات اقتصادية داخلية، أبرزها تصاعد الدين العام وتراجع التفوق في بعض القطاعات الصناعية. ومع ذلك، تواصل واشنطن الحفاظ على تموقعها العالمي، خاصة في الشرق الأوسط، حيث تنتشر قواتها وتستحوذ على النصيب الأكبر من صادرات السلاح.
روسيا: قوة عسكرية تبحث عن موطئ قدم
تراهن روسيا على أدوات نفوذ غير تقليدية لتعويض عزلتها الدولية، خاصة من خلال مجموعات عسكرية خاصة مثل “فاغنر”، التي وسعت وجودها في عدة دول أفريقية. كما تظل صادراتها من السلاح والغاز مصدرًا حيويًا لمواصلة حضورها الدولي، رغم الضغوط الغربية بسبب الحرب في أوكرانيا.
أفريقيا والشرق الأوسط: ساحات مفتوحة للتنافس
تشهد القارة السمراء والمنطقة العربية سباقًا محمومًا بين القوى الكبرى. فبينما تستثمر الصين في البنى التحتية، تلجأ روسيا إلى القوة الصلبة، وتُراهن الولايات المتحدة على تحالفات عسكرية طويلة الأمد. في هذا السياق، تلعب دول مثل المغرب دورًا متوازنًا في التعامل مع مختلف الشركاء، بما يخدم مصالحها الاستراتيجية.
نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب
يرى الخبراء أن العالم يتجه نحو مرحلة جديدة من التعددية القطبية، حيث لا توجد قوة مهيمنة واحدة، بل مجموعة من الفاعلين العالميين، من ضمنهم الصين، الولايات المتحدة، روسيا، الاتحاد الأوروبي، والهند. ويُتوقع أن تُحدد التكنولوجيا، والأزمات الاقتصادية، والتحولات الجيوسياسية القادمة شكل النظام الدولي لعدة عقود.
المغرب: بين الحياد الذكي والتموقع الاستراتيجي
في ظل تصاعد التنافس بين القوى الكبرى، يتمتع المغرب بموقع استراتيجي فريد عند بوابة أوروبا وعلى ضفاف المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، مما يجعله فاعلًا إقليميًا مؤهلاً للعب أدوار متعددة في النظام العالمي الجديد.
يراهن المغرب على سياسة خارجية متوازنة، تجمع بين الشراكة الاقتصادية العميقة مع الاتحاد الأوروبي، والتعاون الأمني والعسكري مع الولايات المتحدة، والانفتاح المتزايد على الصين وروسيا في مجالات مثل البنية التحتية والطاقة.
كما يستثمر المغرب في أمنه الطاقي والغذائي، وفي تعزيز روابطه مع عمقه الأفريقي، من خلال مشاريع كبرى مثل أنبوب الغاز النيجيري-المغربي، وعودة قوية إلى الاتحاد الأفريقي، مما يعزز مكانته كشريك موثوق في القارة.
في هذا السياق، يمكن للمغرب أن يتموضع كـ جسر استراتيجي بين الشمال والجنوب، وبين الشرق والغرب، مستفيدًا من استقراره السياسي، وتقدمه في مجالات الطاقات المتجددة واللوجستيك، ليصبح أحد اللاعبين الإقليميين الذين يصعب تجاوزهم في المعادلات الجيوسياسية المقبلة.
خاتمة: عالم يتغير.. ومصالح تتحرك
الصراع بين القوى الكبرى لم يعد مجرد سباق للتسلح، بل أصبح معركة شاملة تشمل الابتكار، النفوذ الدبلوماسي، والتحكم في الموارد. وبينما تسعى الصين لإزاحة واشنطن عن القمة، وتحاول الولايات المتحدة الحفاظ على تفوقها، وتراهن روسيا على النفوذ غير التقليدي، تبرز أفريقيا والشرق الأوسط — ومنهما المغرب — كساحات حاسمة في رسم ملامح النظام العالمي للقرن الحادي والعشرين.
تعليقات ( 0 )