مع الحدث
بقلم ✍️: لحبيب مسكر
تعيش العديد من الأسر المغربية، خصوصًا في مناطق الأطلس المتوسط، فصولًا مؤلمة بسبب تفاقم ظاهرة هروب القاصرين ومحاولاتهم المحفوفة بالمخاطر للهجرة نحو أوروبا. ظاهرة باتت تؤرق المجتمع وتكشف عن خلل عميق في الواقعين الاجتماعي والنفسي لهؤلاء الأطفال.
في خنيفرة، المدينة الهادئة التي لا يتوقع المرء أن تكون مسرحًا لمثل هذه القصص، ظلت مليكة، والدة مراد، تبحث لشهور عن ابنها البالغ من العمر عشر سنوات، والذي اختفى دون أثر. طرقت كل الأبواب، سألت كل الوجوه، وقطعت كل المسالك بحثًا عن بارقة أمل، إلى أن جاءها اتصال صادم: مراد تم العثور عليه قرب الحدود مع سبتة، يحاول الدخول سباحةً إلى المدينة المحتلة!
ولم تكن مليكة الوحيدة التي ذاقت مرارة الغياب. سمية، أم عازبة من مريرت، تعيش واقعًا لا يقل قسوة. لديها طفلان: جمال (13 سنة) وحميد (11 سنة). في ليلة عيد الأضحى من سنة 2021، خرج جمال من البيت وتسلل إلى مليلية بطريقة ما، قبل أن تتكفل به جمعيات تُعنى برعاية الأطفال المتشردين. بعدها، واصل رحلته الشاقة حتى بلغ ألمانيا، حيث تمكن من الاستقرار كلاجئ. وبعد مدة، تواصل مع والدته وأخبر أخاه حميد عن مغامرته، ما دفع هذا الأخير إلى محاولة تكرار التجربة. لكن الأقدار لم تكن رحيمة به: تغيّرت الطرق، وازدادت المخاطر. تعرّض حميد لكسر وجروح خطيرة كادت تودي بحياته خلال محاولة فاشلة للتسلل.
قصص مراد وجمال وحميد ما هي إلا غيض من فيض. أمهات وآباء كُثُر يعيشون على وقع الحيرة والألم، بين من عاد إلى كنف الأسرة، ومن لا يزال مصيره مجهولًا. بعض الأطفال حاولوا التسلل في شاحنات نقل البضائع، وآخرون خاطروا بحياتهم عبر ركوب “قوارب الموت”، وكلّهم مدفوعون بحلم ضبابي اسمه “أوروبا”.
ويشير متتبعون إلى أن هذه الظاهرة تستدعي تدخلًا عاجلًا متعدد الأبعاد: اجتماعيًا، نفسيًا وتربويًا. إذ لم يعد من المقبول التغاضي عن الأسباب العميقة التي تدفع أطفالًا في عمر الزهور إلى المجازفة بحياتهم في سبيل مستقبل غامض على الضفة الأخرى.
القصص كثيرة، والدموع لا تجف، والأمل لا يزال معلّقًا. ومع كل يوم جديد، تظل نداءات الأمهات المكلومات تملأ الفضاء، عسى أن يعود من ضلّ الطريق، أو يجد من لا يزال تائهًا بين الحدود يدًا تمتد نحوه، لا لترحّله، بل لتفهمه وتعيد له براءة الطفولة.
تعليقات ( 0 )