الفن حين يُصبح صدىً جماعيًا للروح…
نعيمة زمرو عن الإصدار الجماعي للفنانين التشكيليين
تحت إشراف هند بومديان
في زمن تتآكل فيه المعاني خلف ستائر العجلة والسطحية، ينبثق هذا الإصدار الجماعي كفسحة ضوء ومقاومة ناعمة. ليس مجرد عمل فني أو تجميع لأصوات مشتتة، بل نداء جَماعي نبيل، تناغمت فيه رؤى فنانين من مدارس متعددة، وجمعتهم امرأة آمنت بأن الفن لا يُكتمل إلا حين يُشارك.
لقد كان هذا المشروع، بالنسبة لي، تجربة فريدة تُعيد تعريف الفن كمجال للقاء، لا للعزلة. لكل مشاركة وقعها الخاص، ولكل لمسة نبرة مختلفة، لكن ما منح لهذا العمل روحه المتفردة، هو تلك اليد الخفية الصبورة، التي جمعت، نسّقت، راسلت، شجّعت، وآمنت بأن هذا الحلم يمكن أن يصير حقيقة.
تلك اليد كانت هند بومديان.
هند لم تكن فقط منسّقة، بل كانت القلب النابض لهذا العمل. جمعتنا كمن تجمع شظايا مرآة، لتصنع منها صورة مكتملة لفن مغربي حرّ، حيّ، نابض بالأسئلة. كانت الحاضرة في التفاصيل، والغيورة على الجَمال، والمدافعة عن كل صوت صادق. بفضلها، لم يكن هذا الإصدار مجرد تجربة فنية، بل لحظة ولادة، وبيان انتماء لجيل يرفض أن يُقصى أو يُختزل.
هذا العمل الجماعي هو إعلان جماعي للحب، للجرأة، وللاستمرار. وقد كانت هند، بكل لطفها وإصرارها، شاهدة ومُنجزة، صاغت لحمتنا من اختلافنا، وجعلتنا نؤمن بأن الفن، حين يُقاد بالشغف، يمكنه أن يهزم الصمت.
ففي زمن يزداد فيه الضجيج ويخفت فيه صوت المعنى، يأتي هذا الإصدار الجماعي كمحاولة نبيلة لإعادة تشكيل الوعي من خلال الفن، لا بوصفه ممارسة فردية فحسب، بل كحالة تشاركية تُجسد نبض جيل، وقلق مرحلة، وأمل وطن. وبين هذه الصفحات، لم يعد الفنان ذاك الكائن المنعزل في مرسمه، بل صار شاهداً ومُشاركاً في كتابة مرآة جماعية تعكس ما لا يُقال.
بالنسبة لي، هذا العمل لم يكن مجرد مشاركة في مشروع فني… بل كان فعل انتماء. انتماء للفن كقيمة روحية، وللمجتمع ككائن حي يحتاج لمن يصغي لنبضه ويعيد ترجمته بلغة جمالية راقية. لقد جمعتنا فكرة واحدة: أن نرسم بالكلمات، أن نكتب باللون، أن نصوغ ذواتنا في لوحات فكرية تفتح نوافذ للتأمل بدل أن تُغلق الأبواب بالحكم.
كل مساهمة في هذا الإصدار كانت بمثابة بصمة روحية، ليست فقط للفنانين المشاركين، بل للمشهد الثقافي المغربي برمّته. ما يجعل هذا العمل متفرّدًا هو كونه وُلد من الالتقاء، لا من الاستعراض. من التواضع الإبداعي، لا من نرجسية الفن. هو مساحة نقية، حرّة، لا يُقاس ثقلها بعدد الصفحات، بل بعمق الأسئلة التي تطرحها.
هذا الكتاب، بكل بساطة، يُعيد للفن وظيفته الأولى: أن يكون سؤالًا مفتوحًا، أن يكون مقاومة ناعمة، أن يكون ملاذًا للباحثين عن الضوء في متاهة الواقع.
إنني أعتبر هذا الإصدار الجماعي لحظة فارقة في مساري، لأنه منحني فرصة للكتابة من القلب، وللإصغاء إلى تجارب مختلفة، وللتأمل في جوهر الفن كجسر لا كجدار. لقد حملنا هذا المشروع الجماعي، كلٌ من موقعه، كمن يحمل طفلًا في طور التكوين، بكل ما يتطلبه من رعاية، وصدق، وجرأة.
تحية لكل فنان وفنانة ساهموا في ولادة هذا الجمال. ولتكن هذه الخطوة بداية لمسار لا ينطفئ فيه الضوء
و تحية من القلب لهند بومديان، قائدة الحلم، وصانعة هذا الأفق المفتوح.
تعليقات ( 0 )