بقلم: حسيك يوسف
شهد المركب الثقافي سيدي الرحال عرضًا كوريغرافيًا مسرحيًا بعنوان “اضطراب”، من توقيع الكوريغراف المغربي زكرياء عبيدي، الذي استطاع من خلال حركات الجسد والرموز البصرية والموسيقية أن يلامس قضايا وجودية تعكس تمزق الإنسان المغاربي بين ماضيه التراثي وزمنه المعاصر.
يعتمد العرض على جمالية الأداء الجسدي وسط ديكور هندسي يتمثل في “مكعب” يُحاكي العزلة والاٍنغلاق، حيث يتحرك الجسد داخله في محاولات متكررة للاٍنفلات والتحرر. يبدأ العرض بكتلة جسدية ساكنة داخل هذا المكعب، وبمجرد سماعه لأهازيج تراثية مغاربية يشرع في الحركة شيئا فشيئا وكأنها أعادت له الحياة وأعادت اٍرتباطه بخصوصيته و بهويته التي طمستها المعاصرة .
ومن خلال الصراع بين أعضاء الجسد وبينه وبين قضبان المكعب تتجسد أزمة الإنسان المعاصر، المضطرب بين القبول والاستسلام من جهة والرغبة في التمرد والانعتاق من جهة أخرى.
ف”اضطراب” اٍذا ليس عرضًا فنيًا فحسب، بل صرخة جسدية ضد الاغتراب، ضد التشييء، وضد الصمت ،وهو في الآن ذاته بحثٌ عن الذات في ظل عالم متغير.
يثبت زكرياء عبيدي اٍذا و من خلال هذا العمل أن الجسد في المسرح المعاصر لم يعد مجرّد أداة بل لسانا وصوتًا ناطقًا تنبعث منه صدى تلك الكلمات المتعالية التي إجتاحت جسد الفنان وإخترقت كيانه لينهض بلغة منتفضة ،اٍنّها لغة الحركة والإشارة والإيماءة، لغة مكنّت الجسد “أن يحلّ مكان الكلمة ” ، كاتبا للمتلقى نصوصا جعلت منه عنصرا فعّالا ومكمّلا للعرض من خلال إستيعابه للرسالة الفنية الكوريغرافية ” فأي جمهور في كل أنحاء العالم يفهم هذه الأعمال لأنّها ترتكز على التعبير بالجسد الذي يعدّ أهم آلة بشرية تستطيع رسم مكنوناتها الداخلية وبواسطة الحركة الجسدية يفهم الجميع ما تريد إيصاله، فلو وضعنا هذه اللغة بتقنية العصر لإٍستطاعت أن تقول مفهومنا، وثورتنا كلّها تقولها بلغة الجسد”
طبعا ليست لغتنا المعهودة بل لغة جديدة هي لغة الحركة، لغة قائمة أساسا على تفعيل الجانب البصري في بناء المشهد التشكيلي وتحقيق انساق تواصلية مع المتلقي عبر استثارة حاسة البصر لديه “فهي لغة الجسد”
تعليقات ( 0 )