تحقيق : لحبيب مسكر
عرفت المؤسسات التعليمية في المغرب خلال السنوات الأخيرة تناميًا لافتًا في ظاهرة استعمال السجائر الإلكترونية من طرف التلاميذ، لا سيما في صفوف المراهقين. ورغم حداثة هذه الظاهرة مقارنة بالتدخين التقليدي، فإنها بدأت تثير قلقًا متزايدًا لدى الأسر والأطر التربوية، لما تنطوي عليه من مخاطر صحية ونفسية وتربوية.
إغراءات تسويقية وأوهام بالأمان
انتقلت السيجارة الإلكترونية من كونها بديلًا “آمنًا” للتدخين، إلى وسيلة شائعة بين المراهقين، يغذي انتشارها تسويق ذكي يعتمد على نكهات جذابة وتصاميم عصرية تُخفي مظهرها الحقيقي. فهي تُباع بنكهات الفواكه والحلوى، ما يجعلها مغرية لفئة عمرية تفتقر غالبًا للوعي الكافي بمخاطر النيكوتين.
الشركات المنتجة تروج لهذه الأجهزة على أنها أقل ضررًا من السجائر العادية، غير أن الواقع مختلف. إذ تحتوي على مواد كيميائية وجرعات عالية من النيكوتين، قد تؤدي إلى الإدمان وتضر بالجهاز التنفسي ونمو الدماغ، خاصة في مرحلة المراهقة. وتشير الإحصاءات إلى أن 7.8% من تلاميذ الثانوي و3.5% من تلاميذ الإعدادي يستعملون حاليًا هذه الأجهزة، في ظل غياب رقابة فعالة وضعف الوعي بخطورتها.
مظاهر مقلقة داخل المدارس
يؤكد عدد من الأطر التربوية وجود استعمال متزايد لهذه السجائر خلال فترات الاستراحة، بل إن بعض التلاميذ لا يعتبرونها مخالفة سلوكية. ويقول أستاذ بإحدى الثانويات: “أصبح من الصعب التمييز بين أدوات مدرسية وأجهزة تدخين إلكتروني، إذ تأتي هذه الأخيرة على شكل أقلام أو مفاتيح USB، دون رائحة واضحة، ما يعقّد من عملية المراقبة.”
وتفيد تقارير تربوية بأن انتشار هذه الظاهرة يرتبط بتراجع في الانضباط العام، وظهور سلوكيات سلبية، كالعدوانية أو العزلة الاجتماعية، بالإضافة إلى تدني التحصيل الدراسي وضعف التركيز لدى بعض التلاميذ.
خطر صحي متعدد الأبعاد
تشير الدراسات إلى أن بعض عبوات “جول بود” مثلاً تحتوي على كمية نيكوتين تعادل 20 سيجارة تقليدية. هذا يعجّل بالإدمان ويؤثر على النمو العصبي والذهني للمراهقين. كما رُبطت هذه السجائر بحالات مرضية خطيرة، منها ما يُعرف بـ”إصابة الرئة المرتبطة بالتبخير” (EVALI)، التي قد تتطلب تدخلاً طبياً عاجلاً.
وتؤكد أبحاث أخرى أن 30% من المراهقين الذين يستعملون السجائر الإلكترونية يتحولون لاحقًا إلى تدخين السجائر العادية أو استهلاك مواد مخدرة، مما يطرح إشكالات تربوية ونفسية أعمق.
أدوار الأسرة والمؤسسات
تُجمع الآراء على أن جزءًا كبيرًا من المسؤولية يقع على كاهل الأسرة. فالإحصاءات تشير إلى أن 40% من الآباء لا يميزون هذه الأجهزة، ولا يناقشون أبناءهم حول مضارها. كما أن سهولة اقتنائها عبر الإنترنت أو من محلات لا تلتزم بالقوانين يزيد من تعقيد الوضع.
وفي هذا السياق، تبذل بعض المؤسسات التعليمية جهودًا توعوية محدودة، لكنها غير كافية في غياب مقاربة شاملة تجمع بين التثقيف، الرقابة، والتشريع.
نحو مقاربة متكاملة
للحد من هذه الظاهرة، يدعو الخبراء إلى اتخاذ إجراءات عاجلة، تبدأ بسن قوانين صارمة تمنع بيع السجائر الإلكترونية للقاصرين، وتفعيل الرقابة على المنصات الإلكترونية والمتاجر. كما يجب تكثيف الحملات التوعوية داخل المدارس، مع إشراك الأسر والمجتمع المدني في هذه المعركة الصحية.
ومن المهم أيضًا توفير بدائل إيجابية وآمنة للتلاميذ من خلال أنشطة ثقافية، رياضية وفنية تملأ أوقاتهم وتساعدهم على التعبير عن ذواتهم بشكل صحي.
تنامي استعمال السجائر الإلكترونية داخل المؤسسات التعليمية ليس مجرد “موضة عابرة”، بل ناقوس خطر حقيقي يهدد صحة ونفسية فئة عمرية هشة. والتعامل مع هذه الظاهرة يتطلب يقظة جماعية، تبدأ من البيت ولا تنتهي عند أسوار المدرسة، بل تشمل المجتمع برمّته، حمايةً لجيل المستقبل من خطر قد يمتد تأثيره لسنوات طويلة.
تعليقات ( 0 )