استوديوهات التسجيل بجهة بني ملال خنيفرة: فوضى فنية في غياب القانون والكفاءة

متابعة : لحبيب مسكر

تشهد جهة بني ملال خنيفرة تناميًا مقلقًا في عدد استوديوهات التسجيل الصوتي، والتي تجاوزت العشرين، منتشرة في مدن ومراكز مثل لقصيبة، زاوية الشيخ، تيغسالين، مريرت، وخنيفرة. وبينما يوحي هذا التوسع بوجود دينامية فنية ناشئة، إلا أن الواقع يكشف عن فوضى عارمة تتسم بانعدام شبه كلي للمعايير القانونية والمهنية، مما يُفرغ هذه الظاهرة من محتواها الإبداعي ويحولها إلى نشاط عشوائي يهدد الذوق العام.

 

عشوائية مطلقة وغياب التأطير

أُنشئت أغلب هذه الاستوديوهات بوسائل بدائية وتجهيزات رديئة، غالبًا داخل غرف غير مهيأة تقنيًا أو صوتيًا. ويقوم عليها شباب يفتقرون للتكوين والخبرة، مستغلين غياب الرقابة وسهولة الحصول على البرمجيات. فينشأ عن ذلك فضاء أقرب إلى “مقاولات سرية”، لا تخضع لأي مراقبة قانونية أو ضريبية، وتُنتج محتوى يفتقر إلى أبسط مقومات الجودة والاحتراف.

 

استثناء لا يُخفي القاعدة

من بين هذا الكم الكبير، لا يتعدى عدد الاستوديوهات المشتغلة وفق القانون والإطار المهني اثنين فقط: استوديو غازي بتيغسالين، الذي يضم بلاطو احترافيًا، واستوديو الهيلالي بزاوية الشيخ، الذي يُديره مهندس صوت ذو خبرة وطنية ودولية. هذان النموذجان يظلان استثناءً نادرًا في محيط يعج بالفوضى، حيث تفتقر باقي الفضاءات إلى الكفاءة والتأهيل، مما يجعل إنتاجها غالبًا دون المستوى، سواء فنيًا أو على مستوى احترام القيم المجتمعية.

 

إنتاج يكرّس الرداءة والانحلال

تنعكس هذه الوضعية سلبًا على المشهد الثقافي بالجهة، حيث تغيب الجودة، ويُنتج محتوى يفتقر إلى المعنى والحس الفني، ويساهم في نشر قيم سلبية بين الشباب. والأسوأ أن هذه الأعمال تتصدر الفضاء الرقمي، مزاحةً الفنانين الجادين والمبدعين، الذين يجدون أنفسهم خارج دائرة الضوء بفعل هيمنة الرداءة وسوق غير متكافئة.

 

فوضى تتطلب الحزم والتنظيم

في ظل هذا الوضع، بات من الضروري تدخل السلطات المحلية والمديريات الجهوية للثقافة والداخلية بشكل عاجل، من أجل وقف هذا النزيف الفني والثقافي. ويُفترض فرض تراخيص صارمة، وإلزامية التكوين أو التوفر على كفاءة تقنية، إلى جانب اعتماد دفتر تحملات يُنظّم ممارسة هذا النشاط. كما يجب تشجيع الاستوديوهات الجادة، وتوفير آليات الدعم والتكوين، حتى يصبح هذا القطاع رافعة حقيقية للإبداع بدل أن يظل بؤرة للفوضى والرداءة.

 

خاتمة

رغم أن استوديوهات التسجيل تُعد من أدوات التعبير الفني المهمة، إلا أن تركها دون تنظيم أو تأطير، خاصة في جهة مثل بني ملال _ خنيفرة، يجعل منها مصدرًا لتدهور الذوق العام وتكريس الرداءة. فحرية الإبداع لا تعني الفوضى، والتنظيم لا يعني القمع، بل هو السبيل الوحيد لصناعة فن يرتقي بالفرد والمجتمع معًا.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)