لنغيّر سلوكنا: تخريب الأماكن العمومية مسؤولية مشتركة تتطلب صحوة جماعية

مع الحدث

 ✍️ : ذ الحبيب مسكر

لا يزال تخريب الأماكن العمومية في مختلف مدن المغرب يشكل ظاهرة مقلقة تؤثر سلباً على جمالية المدن، كما تستنزف الموارد العامة المخصصة لصيانتها. ورغم الجهود التي تبذلها السلطات المحلية والجهات المعنية لترميم هذه الفضاءات بعد تعرضها للإهمال أو التخريب، فإن هذه المرافق غالباً ما تعود إلى حالتها المتدهورة بسبب سلوكيات اللامبالاة وغياب حس المسؤولية لدى بعض الأفراد. والسؤال المطروح بإلحاح: من يتحمل مسؤولية هذا التخريب المتكرر للممتلكات الجماعية؟

سلوكيات مرفوضة في الفضاء العام

تشير المعاينات الميدانية إلى أن العديد من الفضاءات العمومية، التي تم إصلاحها وتحديثها، لا تلبث أن تتعرض للتخريب مجددًا، سواء من خلال الكتابات العشوائية على الجدران، أو كسر المقاعد والمرافق. وتزداد الصورة قتامة في الحدائق العمومية، حيث تُسجَّل سلوكيات مؤسفة، أبرزها تكسير ألعاب الأطفال خلال أيام قليلة من تركيبها، نتيجة سوء استخدامها من قبل مراهقين وشباب لا يحترمون السن القانوني المخصص لها، مما يحرم الأطفال من حقهم في اللعب والاستفادة من هذه التجهيزات.

كما تشهد المساحات الخضراء سلوكًا آخر لا يقل ضررًا، ويتمثل في قَطع الأزهار والورود المزروعة لأغراض شخصية أو بدافع العبث، مما يفرغ هذه الأماكن من رونقها الجمالي ويُفقدها وظيفتها البيئية والنفسية في الترفيه وتحسين جودة العيش.

شغب الملاعب: صورة سلبية للرياضة

ولا يقتصر التخريب على الحدائق والمرافق الحضرية فقط، بل يمتد إلى الملاعب الرياضية التي تتحول في بعض المناسبات إلى مسارح للتخريب والعنف. ففي كثير من المباريات، خاصة خلال مباريات الديربي أو المواجهات الساخنة، يُسجَّل شغب جماهيري يؤدي إلى تكسير الكراسي والمراحيض ومعدات الإنارة داخل الملاعب. هذا السلوك لا يضر فقط بالبنية التحتية الرياضية، بل يشوّه صورة الرياضة الوطنية، ويجعل من فضاء كان من المفترض أن يكون للتسلية والتشجيع، ساحة للفوضى والخسائر المادية والمعنوية.

المسؤولية مسؤولية الجميع

لا يمكن إلقاء اللوم فقط على السلطات أو الجماعات الترابية. فالمواطن أيضًا يتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية، إذ إن الفضاء العمومي ملك للجميع، والحفاظ عليه واجب جماعي. إن احترام المرافق العامة والحرص على نظافتها وسلامتها يعكس مستوى الوعي والتمدن داخل المجتمع.

المجتمع المدني شريك أساسي في التغيير

في هذا السياق، تلعب جمعيات المجتمع المدني دورًا حاسمًا في التوعية، عبر تنظيم حملات تحسيسية وبرامج تربوية تستهدف كافة فئات المجتمع، وخصوصًا الأطفال والشباب، لغرس قيم المواطنة والحفاظ على الممتلكات العامة، ولتحفيز السلوك الإيجابي تجاه الفضاءات المشتركة.

التغيير يبدأ من الفرد

غير أن تحقيق هذا التغيير يتطلب بدايةً من الفرد ذاته، من خلال وعيه بأن أي اعتداء على الملك العام هو مساس بحق الجميع، وأن التخريب لا يُعبّر عن شجاعة أو تمرّد، بل عن غياب للوعي والمسؤولية. وهنا تبرز أهمية إدماج ثقافة احترام الفضاء العمومي في المناهج الدراسية والبرامج الإعلامية، لضمان بناء أجيال أكثر وعيًا وحرصًا على بيئتها.

خاتمة

إن تغيير هذا الواقع لا يمكن أن يتحقق بقرارات إدارية فقط، بل عبر شراكة حقيقية بين المواطن، والمجتمع المدني، والسلطات العمومية. إن الفضاء العمومي مرآة لحضارة الشعوب، وصونه مسؤولية نتقاسمها جميعًا من أجل بيئة حضرية لائقة، ومستقبل أكثر إشراقًا للأجيال القادمة.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)