قراءة نقدية للوحة الفنان التشكيلي عبد الإله الشاهدي…تروس الفكر”موت العفوية في زمن البرمجة” .

اللوحة للفنان التشكيلي عبد الإله الشاهدي

القراءة النقدية بقلم هند بومديان

عنوان اللوحة

تروس الفكر.. موت العفوية في زمن البرمجة

هذه اللوحة تمثل عمق التوتر بين الإنسان ككائن حي والإنسان كآلة خاضعة للتفكيك وإعادة البرمجة. الألوان هنا ليست عشوائية؛ الأزرق الذي يكسو الوجه يوحي بالبرودة، بالمسافة، وبالهدوء الظاهر، لكنه يخفي خلفه عاصفة من التلاعب والسيطرة. الأحمر الذي يلون الأيدي ليس مجرد لون، بل هو صرخة السلطة، إشارة الدم، والسيطرة المطلقة على مصير الكائن الأزرق. هنا، العقل ليس فضاءً للحرية، بل مصنع للتروس، ميكانيزم مفرغ من الروح.

الأيدي الحمراء تقوم بعملية جراحية ميكانيكية على الدماغ المفتوح، وكأنها تزرع أفكارًا، أو تنتزع قناعات لتضع غيرها. هذه الصورة تحمل دلالات فلسفية قوية: من يتحكم في عقل الإنسان؟ هل هو ذاته، أم قوة خارجية تعيد برمجته؟ هنا يختفي مفهوم “الفردانية”، ليحل محله مفهوم “التحكم” و”الإخضاع”.

التروس المعدنية التي تتساقط من الرأس وتتحول إلى أقراط، ترمز إلى تحوّل الفكر إلى زينة شكلية، وإلى استهلاك المعرفة كديكور اجتماعي فارغ. لم تعد الأفكار قوة حية، بل مجرد مسننات تدور في فلك السلطة والتقنية.

الوجه في اللوحة، بثبات نظراته، يوحي بالاستسلام أو ربما بالوعي الصامت بما يحدث داخله. عيون واسعة، كأنها تسأل: أأنا إنسان أم مجرد آلة تم ضبطها لتعمل وفق إرادة الآخر؟

الدلالات الفلسفية والجمالية:

اللون الأزرق: يرمز إلى العمق النفسي، إلى البعد الوجودي، وربما إلى الحزن البارد الذي يكتسح الذات حين تُسلب منها حرية التفكير.

الأيدي الحمراء: تجسيد للهيمنة، للعنف الناعم الذي يمارس على الفكر، وللقوة التي تتحكم في صناعة العقل.

التروس والآليات: إلغاء الطابع العضوي للعقل لصالح التصنيع الميكانيكي، ما يطرح إشكالية العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا، وبين الروح والمادة.

التوقيع والتاريخ: يذكرنا أن هذه الفكرة ليست بعيدة عن حاضرنا، بل هي قراءة جريئة لزمن أصبح فيه العقل ميدانًا للتلاعب.الرسالة الرمزية:

اللوحة تطرح سؤالًا وجوديًا مخيفًا: هل ما نفكر فيه نابع منّا أم مُبرمج فينا؟ نحن أمام عمل نقدي للواقع المعاصر حيث يُعاد تشكيل العقل وفق مقاييس السوق، السياسة، والإعلام.

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)