طانطان عابدين الرزكي
في وطن تتباهى حكومته بالإنجازات المبهرة على الورق، وتلمع واجهته الخارجية بأضواء الملاعب المتلألئة، يحتضر المواطن بصمت خلف جدران مستشفياتٍ متداعية، تئن تحت وطأة الإهمال، كأن الحياة فيها صارت مجرد صدفة… أو مجازفة.
نعم، ملاعب تتوهج. مدرجات فاخرة، عشب أخضر يضاهي حدائق أوروبا، شاشات عملاقة تنقل المباريات بدقة لا تليق إلا بكبار الأحداث، واحتفالات صاخبة تملأ ليل البلاد ضجيجا. ولكن، حين تخلع الحكومة قفاز التباهي وتواجه المرآة، ترى الحقيقة جلية: المواطن، ذاك الذي يفترض أن يكون جوهر كل سياسة، يموت على أسرة من الحديد الصدئ، في غرف تشكو من قلة الأوكسجين لا من فائض الأمل.
أي مفارقة هذه؟ أن تصرف المليارات على مشاريع ترفيهية في حين يترك القطاع الصحي كجسد بلا روح؟ أن يقال للناس “افرحوا، عندنا كأس إقليمي”، بينما لا يجد طفل مصاب بالسرطان سريرا واحدا في مستشفى حكومي؟ تبنى الملاعب لتلمع في الصحف، بينما المستشفيات تهدم ببطء، بميزانيات تبتر، وكوادر تهمل، ومعدات تستبدل بالصمت.
ليست المشكلة في بناء الملاعب، ولا في تشجيع الرياضة، فذاك حق مشروع ومظهر حضاري، ولكن الكارثة حين تصبح الأولوية للمظهر لا الجوهر، للعرض لا للعرضة، للمهرجانات لا للمعاناة. الحكومات التي تحكم بعيون الكاميرات لا بعيون العدالة، تسير بشعوبها نحو الهاوية، وإن زوقتها بالملاعب اللامعة.
أي فخر هذا بوطن يشيد ملعبا من ذهب، ويهمل مركزا صحيا لا يملك حتى جهاز تصوير واحد؟ أي نصر هذا حين تركض الكرة فوق ميدان حديث، بينما المرضى يركضون بين مستشفى وآخر بحثا عن دواء مفقود، أو طبيبٍ غادر، أو حتى ممرضة لا تزال تؤمن بأن العمل رسالة وليست صفقة؟
لا يبنى الوطن بالإسمنت فقط، بل بالعدالة، بالكرامة، بصحة المواطن وتعليمه. لا تقاس هيبة الدولة بارتفاع أعمدة الإنارة في الملاعب، بل بانخفاض نسب الوفاة في المستشفيات، وارتفاع مؤشرات العافية.
إن سياسة الإنفاق على ما يرى وإهمال ما يعاش ليست سوى انعكاس لحكومة فاشلة، لا تفهم أولويات شعبها، ولا تحترم حقه في الحياة الكريمة. حكومة تدير الدولة كعرض تلفزيوني، تعتقد أن ضجيج التصفيق يخفي أنين الوجع.
فيا من توهمت أن الرياضة دواء الفقر، أو أن الملعب يضمد الجرح، اعلم أن المواطن حين يصاب، لا يبحث عن مباراة، بل عن طبيب ينقذه، ومشفى يستقبله، وسرير لا يرفض عليه.
وفي النهاية، لن يغفر التاريخ لحكومةٍ أبهرت العالم بملاعبها، وخذلت أبناءها بمستشفياتها.
تعليقات ( 0 )