مع الحدث : ذ لحبيب مسكر
العالم اليوم يشبه رقعة شطرنج كبرى، رقعة تتحرك فيها الحدود وتتغير فيها ألوان المربعات حسب مصالح القوى الكبرى. هذه اللعبة أعقد بكثير من الشطرنج التقليدي، فالقواعد لا تُحترم دائماً، بل تُعاد صياغتها باستمرار وفق من يملك النفوذ والقدرة على فرض إرادته. كل حركة محسوبة بتوازنات دقيقة، وكل خطوة تعيد ترتيب الرقعة بشكل يجعل النهايات مستحيلة.
القطع على هذه الرقعة تجسد أدواراً مختلفة. الملك يمثل الدولة العظمى أو الزعيم الذي تمثل حركته المحدودة ثقلاً هائلاً، فسقوطه يعني اهتزاز النظام كله. الوزير أو الملكة هو القوة الأكثر تأثيراً، سواء تحالف عسكري، تكتل اقتصادي، أو شركة تكنولوجية عملاقة، تتحرك في كل الاتجاهات وتعيد رسم مسار اللعبة. القلاع تمثل القوى الاقتصادية والعسكرية الصلبة، تتحرك بخطوط واضحة وتكشف نواياها سريعاً، أما الأفيال فهي الدول الصغيرة التي تلعب بالدبلوماسية وتتحرك قطرياً بعيداً عن المواجهة المباشرة. الخيول هي القوى الإقليمية التي تقفز بخطوات غير متوقعة وتُربك الجميع، فيما تظل البيادق هي الشعوب والدول النامية والحركات الاجتماعية، غالباً ما تُضحّى بها في البداية، لكنها تملك القدرة على قلب الطاولة إن وصلت إلى الضفة الأخرى.
الأيادي الخفية هي من يضع القوانين، يشرّع اليوم التدخل العسكري باسم “الأمن العالمي”، ويؤكد غداً على قدسية “السيادة الوطنية”. هذه الأيادي لا تكتفي بالمواجهة المباشرة، بل تستخدم أدوات غير تقليدية، مثل الحروب بالنيابة، حيث تتحرك البيادق وتتصارع بينما اللاعبين الكبار يراقبون من بعيد، ليختبروا حدود النفوذ ويعيدوا صياغة الرقعة دون أن تدخل القوى الرئيسية مباشرة في المعركة.
في هذه الرقعة، السيطرة على المركز تمثل الهيمنة على مناطق استراتيجية مثل الشرق الأوسط والممرات البحرية، والتضحية بالبيادق تعني ترك دول أو شعوب تواجه أزماتها وحدها لحماية مصالح الكبار. التحالفات تشبه التبييت، تحركات دفاعية هجومية مؤقتة قد تتحول لاحقاً إلى خيانة، والمفاجآت على شكل “الشوكة” تسمح لقوى إقليمية أو ناشئة باستغلال تناقضات الكبار لصالحها.
في خضم هذه التحولات، يبرز المغرب كقوة صاعدة تعرف كيف توظف موقعها الجغرافي كبوابة بين إفريقيا وأوروبا، وتستثمر في استقرارها السياسي ودبلوماسيتها النشيطة لبناء حضور متنامٍ في القارة السمراء وعلى ضفاف المتوسط. المغرب لم يعد مجرد بيدق يتحرك بإملاءات، بل صار أقرب إلى حصان يناور بخطوات ذكية، وأحياناً إلى قلعة تدافع عن مصالحها بثبات. في زمن التحولات العالمية، تزداد مكانة المغرب كوسيط في النزاعات، وكشريك موثوق في قضايا الأمن والطاقة والهجرة، ما يجعله جزءاً من معادلات أكبر من حدوده الجغرافية.
لكن هذه اللعبة لا تعرف النهاية، فلا سقوط ملك أو إعلان فوز يحسم الأمور. فإذا انهارت قوة عظمى، يولد نظام بديل، وإذا انتهت جولة بدأت أخرى. الرقعة تُعاد صياغتها باستمرار، والقواعد تكتب من جديد مع كل تحول.
تعليقات ( 0 )