جيل جديد يخرج اليوم إلى العلن في المغرب: جيل Z. جيل لم يعد يقبل بالمسكنات السياسية ولا بوعود الإصلاح التي تُرمى في الهواء مع كل حملة انتخابية. إنه جيل وُلد في زمن الأزمات المتلاحقة، لكنه تشبّع بقيم العدالة والكرامة والحرية، ويملك جرأة غير مسبوقة على تسمية الأشياء بمسمياتها.
هذا الجيل لا يطلب المستحيل. كل ما يطالب به هو ما يُعتبر بديهيًا في دول أخرى: مستشفيات تضاهي في جودتها ملاعب كرة القدم، تعليم مجاني يفتح أبواب المستقبل أمام الجميع، عدالة اجتماعية تُعيد التوازن بين الطبقات، وربط فعلي للمسؤولية بالمحاسبة. جيل يصرّ على أن تُصرف الميزانيات لصالح البحث العلمي لا فقط لصالح التسلح، وأن يُطبق القانون على القوي قبل الضعيف، لأن العدالة الحقيقية لا تعرف الأسماء ولا المناصب.
جيل Z يرى أن الحكومة القائمة لم تستطع أن تواكب حجم الانتظارات. وزراء بلا خبرة في قطاعاتهم، وقرارات عمّقت الأزمة بدل حلها. رفع أسعار المحروقات كان الشرارة التي فجّرت موجة سخط اجتماعي، لأنه انعكس على كل جوانب المعيشة. ومع الوقت، تقلّصت الطبقة الوسطى، حتى أصبح المشهد منقسماً إلى طبقة فقيرة تزداد هشاشة، وطبقة ميسورة تتسع ثرواتها.
المثير أن هذا الجيل لم يختر العنف ولا الفوضى. خرج للاحتجاج السلمي، رافعًا شعارات إصلاحية واضحة، لكنه قوبل أحيانًا بتدخلات أمنية مفرطة. ومع ذلك، ظل يُصرّ على أن هدفه ليس التخريب، بل التنبيه إلى الخلل والدعوة إلى إصلاح حقيقي ينقذ ما يمكن إنقاذه.
جيل Z اليوم لا يرى نفسه ممثلاً في الأحزاب السياسية التي تحولت إلى هياكل خاوية، ولا في النخب التي تكرر نفس الخطاب منذ عقود. إنه جيل يبحث عن صوت جديد، عن أدوات تمثيل حديثة، عن سياسة تُمارس بصدق لا بمناورة.
إنه جيل يعلن بكل وضوح: المغرب لن ينهض إلا حين يُستمع إلى الشباب، ويُعترف بمطالبهم كحقوق مشروعة، لا كمطالب ثانوية. جيل Z ليس جيلاً غاضبًا فقط، بل هو جيل يملك أفكارًا ورؤية لمستقبل أفضل. تجاهله ليس خيارًا، بل خطر على الاستقرار وعلى الأمل في غدٍ أكثر عدلاً وإنصافًا.
تعليقات ( 0 )