أثار إعلان الحكومة عن قيمة الدعم المخصص للكسابة في المغرب موجة واسعة من الغضب والاستياء، بعدما حُدد المبلغ ما بين 75 و150 درهما للرأس في السنة، في وقت اعتبر فيه المهنيون أن هذا الدعم “هزيل جدا” ولا يعكس حجم المعاناة اليومية التي يعيشها مربو الماشية في ظل الجفاف وغلاء الأعلاف وتراجع المردودية.
فبينما خصصت الدولة دعما للاستيراد وصل إلى 500 درهم للرأس الواحد لتغطية حاجيات السوق في مواسم الأضاحي، وجد مربو القطيع الوطني أنفسهم أمام دعم سنوي لا يغطي حتى 0.5 في المئة من تكاليف تربية رأس واحد من الغنم أو البقر أو الإبل، وهو ما اعتبره الكسابة “مفارقة غريبة” تكشف ضعف الرؤية في تدبير هذا القطاع الحساس الذي يمثل ركيزة من ركائز الأمن الغذائي الوطني.
يقول أحد الكسابة من جهة الشاوية: “الخروف الواحد يستهلك يوميا ما بين 7 و15 درهما من العلف فقط، دون احتساب كلفة الماء والنقل والدواء، وإذا كان عندك عامل واحد على كل خمسين رأس فالأمر يكلف ما لا يقل عن 75 درهما يوميا، فكيف يعقل أن يكون الدعم 75 درهما في السنة؟ هذا دعم يثير الحصرة، وليس تشجيعا على الإنتاج”.
وتزداد حدة الانتقادات حين يقارن المهنيون بين دعم الاستيراد ودعم الإنتاج المحلي، إذ يرون أن الحكومة تشجع المستوردين على حساب المربين المغاربة، في وقت يفترض أن يكون الهدف الأساسي هو الحفاظ على السلالة المغربية للأغنام التي تُعد من أفضل السلالات في المنطقة، والتي حرص جلالة الملك محمد السادس في أكثر من مناسبة على حمايتها والحفاظ عليها، حتى وصل الأمر إلى إلغاء شعيرة الذبح في أحد المواسم حفاظا على هذا الرصيد الوطني الحيوي.
ويرى خبراء في المجال الفلاحي أن الدعم الحالي لا يمكن أن يُحدث أي تأثير إيجابي، بل قد يسرع من تراجع القطيع الوطني ويؤدي إلى هجرة المزيد من الفلاحين نحو المدن، بعدما أصبحت تربية المواشي عبئًا بدل أن تكون مصدر دخل مستقر. فتكاليف العلف ارتفعت إلى مستويات قياسية، والماء أصبح نادرا في عدد من المناطق، فيما تتزايد كلفة التنقل والأدوية بشكل مقلق.
ويطالب الكسابة بإعادة النظر جذريا في طريقة الدعم، مقترحين أن يكون الدعم يوميا أو شهريا وليس سنويا، وأن يُربط بمواسم الجفاف والظروف المناخية، حتى تكون له فعالية حقيقية. كما يدعون إلى تخصيص برامج موازية لتقوية البنية التحتية البيطرية وتوفير الأعلاف المدعمة والماء في المناطق القروية التي تعاني من العطش.
عدد من المتتبعين يرون أن الحل ليس في رفع المبلغ فحسب، بل في إصلاح شامل لسياسة الدعم الفلاحي، حتى تصل المساعدات إلى المستفيدين الحقيقيين، بعيدا عن الوسطاء والجهات التي تستغل الثغرات لتحقيق أرباح سريعة. ويقترح هؤلاء أن يُربط الدعم برقمنة القطاع وإنشاء قاعدة بيانات دقيقة تشمل جميع الكسابة وعدد رؤوس ماشيتهم ومواقعهم، لضمان الشفافية وتوجيه الموارد بدقة.
قطاع تربية المواشي في المغرب ليس مجرد نشاط اقتصادي، بل هو موروث ثقافي واجتماعي يعكس ارتباط المغاربة بالأرض والطبيعة، ويشكل جزءا من الهوية القروية التي بدأت تتآكل بسبب غياب سياسات ناجعة وداعمة. فحين يصبح الكساب عاجزا عن إطعام قطيعه، يفقد الثقة في الدولة، وتضعف روح الانتماء إلى المهنة التي كانت في السابق مصدر فخر واعتزاز.
اليوم، يقف المغرب أمام خيارين لا ثالث لهما: إما مراجعة شاملة لسياسة الدعم بما يحمي القطيع الوطني ويعيد الثقة للكسابة، أو الاستمرار في نهج الأرقام الرمزية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، في وقت يحتاج فيه الفلاح المغربي إلى دعم فعلي، لا وعود موسمية ولا مبالغ تثير السخرية.
إن دعم 75 درهما في السنة لكل رأس لا يمكن اعتباره سياسة فلاحية، بل مجرد إشارة شكلية تفتقد للجدوى. أما الدعم الحقيقي، فهو الذي يعكس رؤية استراتيجية تجعل من الفلاح والكساب شريكا في التنمية، لا مجرد متلقي لفتات لا تكفي حتى لشراء كيس علف واحد.
فمن دون تخطيط واقعي وحوار مفتوح مع المهنيين، ستظل مثل هذه القرارات تُفرغ قطاع تربية الماشية من محتواه، وتزيد من الهوة بين من يضع السياسات ومن يعيش يوميا صعوبة تطبيقها على أرض الواقع.


تعليقات
0