في تطور جديد يعكس حالة الارتباك والضعف التي تعيشها جبهة البوليساريو، أصدرت الجبهة بتاريخ 27 أكتوبر 2025 بيانا ناريا تهاجم فيه مشروع القرار الأمريكي المعروض على مجلس الأمن، والمتعلق بتمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة في الصحراء (المينورسو). البيان الذي جاء في لغة تصعيدية، كشف في جوهره عن خوف الجبهة من التحولات الدبلوماسية المتسارعة، وخصوصا بعد أن باتت واشنطن تمسك بخيوط الملف بشكل أوضح، في ظل تقاربها المستمر مع الموقف المغربي الداعي إلى حل واقعي وعملي في إطار السيادة المغربية.
ورغم محاولتها الظهور بمظهر الطرف القوي، فإن نبرة البيان عكست انكماش البوليساريو سياسيا وتراجع حضورها الدبلوماسي، حيث اكتفت بإعادة تكرار مواقفها التقليدية الرافضة لأي مبادرة أو مفاوضات لا تقوم على ماسمته تقرير المصير، في وقت باتت فيه القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، تميل إلى دعم المقاربة المغربية للحكم الذاتي باعتبارها أكثر واقعية واستقرارا للمنطقة.
البيان الذي وصف المشروع الأمريكي بـالمنحاز والخطير، يأتي في سياق إخفاق الجبهة في كسب الدعم الدولي، خاصة بعد تضاؤل تأثير حلفائها التقليديين داخل مجلس الأمن، وتراجع المساندة اللاتينية والإفريقية التي كانت تشكل في السابق رصيدا سياسيا تعتمد عليه. كما أظهر البيان أن البوليساريو تحاول من خلال الخطاب المتشدد إخفاء أزمتها الداخلية وتراجع معنوياتها الميدانية، بعد الانتكاسات المتكررة في محيط تندوف والمظاهرات والاحتجاجات المستمرة، وأيضا في ضل الجمود العسكري الطويل.
والأكيد أن تنديد الجبهة بالتحركات الأمريكية يعكس شعورها بالعزلة السياسية، إذ لم تعد بياناتها تحدث أي تأثير داخل أروقة الأمم المتحدة، في حين تتزايد قناعة المجتمع الدولي بأن الحل الواقعي يكمن في المبادرة المغربية للحكم الذاتي كإطار وحيد لإنهاء النزاع بشكل نهائي.
كما أن تأكيد البيان على استعداد الجبهة لمواصلة الكفاح والدفاع عن النفس لم يعد يقرأ إلا باعتباره محاولة لتعبئة أنصارها أمام حالة التآكل التي تعرفها داخليا، خاصة بعد تفاقم أوضاع سكان المخيمات وتراجع ثقتهم في القيادة الحالية.
إن صدور هذا البيان في هذا التوقيت، وبهذه اللغة، يعكس بوضوح أن التحرك الأمريكي الجديد أربك حسابات البوليساريو وعرّى ضعفها السياسي والدبلوماسي، لتجد نفسها اليوم أمام واقع دولي متغير لم يعد يتعامل مع أطروحتها الانفصالية بالجدية السابقة، بل بات يرى فيها مجرد بقايا مشروع متجاوز لا يملك أدوات التأثير ولا مقومات الاستمرار.


تعليقات
0