مدرسون في وضعية رهن الإشارة ضحايا الحركة الانتقالية
الصادق بنعلال
كغيرهم من رجال التعليم انتظر( بأمل كبير منذ مستهل هذه السنة الدراسية ) بعض المدرسين الذين أنهوا مدة وضعهم رهن إشارة مصالح البعثة الفرنسية، لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة ، من أجل أن يشاركوا في الحركة الانتقالية التعليمية لسنة 2021 ، رغبة في ممارسة حقهم الذي يكفله القانون، والمتمثل في الانتقال إلى المدن والقرى التي يتطلعون إلى إتمام مهامهم التربوية فيها، وتتويج مسارهم التعليمي بقدر كبير من الشغف والحماس، وبعد أن عانوا كثيرا من الظروف الصعبة التي رافقت عملية التسجيل في هذه الحركة، بعامل الضغط الاستثنائي على المنصة التي شهدت زيارات غير مسبوقة، والتدبير الانفرادي غير المحكم لوزارة التعليم لهذا الاستحقاق الهام، وضيق الغلاف الزمني المخصص للمترشح الراغب في الانتقال لمسك المعطيات المتعلقة به، وتعبئة الاختيارات المطلوبة والمصادقة عليها في الموقع الإلكتروني .. انفجر الخبر / الصاعقة الصادر عن الكتابة العامة لوزارة التعليم، والمتمثل في حرمان هؤلاء المدرسين من نقط الأقدمية ذات الصلة بالاستقرار بالمؤسسة (نقطتان عن كل سنة) والاستقرار بالمديرية الإقليمية (نقطتان عن كل سنة) والاستقرار بالأكاديمية (نقطتان عن كل سنة)، ليجدوا أنفسهم و كأنهم في العام الأول من مشوارهم المهني، و الحال أن منهم من أمضى أكثر من عشرين سنة في العطاء والاجتهاد المطلوبين قبل التوجه إلى مصالح البعثة الأجنبية ! والواقع أن هذا “القرار” الكارثي على الواقع النفسي والاجتماعي للمدرسين في التعليم الابتدائي والثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي؛ الذين كانوا يتطلعون إلى تحقيق مطلبهم العادي في الانتقال، لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم“. و بتأملنا لمثل هذه “التعليمات” الفوقية بالغة السوء، نستنتج دون عناء يذكر تهافتها وتهورها المبينين، خاصة وأنها تتعارض مع منطوق و مضمون مفهوم الموظف الموضوع رهن الإشارة، والذي يبقى تابعا لإطاره بإدارته الأصلية، مستفيدا من جميع حقوقه في الأجرة والترقية والتقاعد. فما هو الخطأ الإداري والذنب المهني والزلة الخلقية التي ارتكبها هؤلاء المدرسون، ليحرموا من حقهم في جمع الشمل الأسري والتوجه إلى جماعة أو مدينة أخرى لمواصلة أداء رسالتهم التكوينية والتروية؟ غير أنهم كانوا من خيرة رجال التعليم واجتازوا بنجاح وتفوق مقابلة تربوية شاقة ومفيدة، أمام أنظار لجنة مشهود لها بالكفاءة البيداغوجية والمعرفية، وخاضوا تجربة جديدة في سياق تربوي آخر، بكل حرفية وانضباط وإحساس بالمسؤولية؟ كيف يمكن أن نساوي بين من أمضى سنوات طويلة في المدرسة المغربية، وبين من أمضى فيها على سبيل المثال خمس سنوات قبل التحاقهما بمدارس البعثة؟ أين وجه العدل في هذه المعادلة بالغة الجنون ! أين مبدأ تكافؤ الفرص الذي يملؤون به الدنيا و يشغلون به الناس بمناسبة وغير مناسبة؟ ما هو “المنطق” الإداري والتربوي والإنساني الذي يمكن أن نستند إليه لنحرم مدرسا في خريف العمر، وفي آخر مشواره المهني من أكثر من مائة نقطة، وهي ما يماثل سنين عددا من التفاني في العمل، والتضحيات الجسام من أجل تكوين أبناء الغد وبناء مغرب آخر، فقط لأنه اختار أن يوضع رهن إشارة مصالح بعثة أجنبية، مدة ست سنوات لا غير؟ لا شك أن التعليم المغربي غارق حتى أذنيه في شتى أنواع المآسي والخطايا، وهو في حاجة ماسة اليوم قبل الغد إلى إصلاح نوعي هيكلي دراماتيكي، لإنقاذه من السقوط الحر والصعود إلى الهاوية ! لكن ليس بهذه القرارات الرعناء والتعليمات الخرقاء وبلاغات منتصف الليل ! إن ما يحتاجه تعليمنا هو الرؤية الإستراتيجية العقلانية العلمية؛ التي تأخذ بعين الاعتبار مصالح كل الأطراف المعنية بالعملية التعليمية، من تلميذ و مدرس وإطار إداري و موجه وبرامج تربوية ومناهج ووسائل وتقنيات وبنية تحتية متقدمة.. تتماشى ومنطق القرن الواحد والعشرين، إذا أردنا فعلا أن نخطو في اتجاه بلورة أحلام الشعب المغربي وتطلعاته إلى التنمية الشاملة، والنهضة الاقتصادية والثقافية المنشودة، والانطلاقة التعليمية الراجحة والمفصلية. ” فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض“
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق