حوار هادئ مع السيد عبد الباري عطوان
الصادق بنعلال
: 1. لن أتوانى عن ذكركم بالخير أخي عبد الباري لأني مدين لكم و لثلة من كبار الإعلاميين العرب بجليل الخصال، إذ بفضلكم تعلمنا أبجديات الخطاب الصحفي و مستلزمات المعطى السياسي عربيا و دوليا، ومنكم نهلنا قيم الصدق و الحياد و الموضوعية أثناء استجلاء الأحداث و استقراء الوقائع العصيبة إقليميا وأمميا، دون أن أتردد في التعبير عن وجهة نظري المستقلة عما تكتبه حول بلدي “المغرب الأقصىّ”، و عما تسطره بشكل منهجي من كلمات أراها قنابل محكمة الدقة صادرة عن منصة “رأي اليوم” في اتجاه المملكة المغربية “الرجعية”، إلى درجة أضحيت لا أنتظر منكم إلا الهجاء والعتاب والتهجمات الخارجة عن سياق الأعراف الإعلامية السليمة. لا أستجدي منكم محبة المغرب و لا التخلي عن مناصرة النظام الجزائري ظالما أو مظلوما فهذا من سابع المستحيلات.
2 – أريد منكم فقط أن تستحضروا قيم العروبة و الإسلام و المبادئ الانسانية الداعية للسلم و التصالح و الاستقرار. يؤلمني أنا الباحث المغربي الذي لا يطمح سوى إلى أن يرى العرب النور في آخر النفق، أنكم لا تلمون بأقل المعطيات التاريخية ذات الصلة بالمغرب ، فهذا الأخير كان في عصوره المشرقة امبراطورية ممتدة الأطراف، و كل السلاطين الذين ساهموا في بناء الحضارة المغربية كان أصلهم من الصحراء الغربية المغربية من مرابطين و موحدين ومرينيين ووطاسيين وسعديين وعلويين، و بعد أن جرت مياه تحت جسم الامة الإسلامية الجريحة ألفينا خرائطنا مبعثرة مقسمة مجزأة بكيفية مأساوية، و في عهد الاستعمار الأجنبي (النصف الأول من القرن العشرين) قاوم المغاربيون كجسد واحد المحتل بحماس و تضحية و مؤازرة قل نظيرها، و لست في حاجة إلى التذكير بالأيادي المغربية البيضاء على الشعب الجزائري الشقيق فالتاريخ خير شاهد على الملاحم العظيمة التي جسدها الشعبان من أجل دحر المغتصب. و إثر الاستقلال مباشرة تحول القادة العسكريون الجزائريون 180 درجة إلى قوة متغولة استهدفت كل القيم الإنسانية ذات الصلة بالديمقراطية و المجتمع المدني العصري ، و قامت بتجويف الحياة السياسية الداخلية، و “سكتت” عن مئات الكيلومترات من غرب تونس و شرق المغرب و اعتبرتها هدية من الاستعمار الفرنسي ! و لكي يمعن النظام الجزائري في تأزيم الوضع الإقليمي اتخذ من استعداء المغرب عقيدة عسكرية لا تقبل التغيير و باقي أحداث “القصة” معروفة.
. ـ 3: و في هذا السياق أطرح عليكم السيد عبد الباري عطوان بعض الأسئلة المرتبطة بالصراع المغربي الجزائري المفتعل”لتجيب عنها” بأريحية إن شئتم و قد لا تشاؤون: – لماذا لا تتحدثون عن الصحراء الشرقية التي مازالت تحت سيادة النظام الجزائري، أليس هذا الامتناع تعريضا بالمنطقة للفتنة و التوتر وعدم الاستقرار ؟ – لماذا لا تتطرقون إلى الانقلاب العسكري على النتائج الانتخابية الجزائرية في مستهل التسعينيات من القرن العشرين في ظل أول ربيع عربي ديمقراطي؟ – لماذا لا تستحضرون الفشل الاستثنائي للحكومات السياسية الجزائرية في تحقيق التنمية و الازدهار و التوزيع العادل الثروة، و الحال أن للجزائر من المؤهلات التي نكاد لا نراها في الأقطار العربية الأخرى من موقع استراتيجي هام و موارد طبيعية محورية و شعب مبدع خلاق ؟ – لماذا لا تتطرقون إلى فوائد النفط و الغاز و الملايير من الدولارات التي كان من الممكن أن تتجه إلى خدمة المواطن الجزائري في التعليم و الصحة و السكن .. و إقامة مشاريع مدنية استراتيجية عالية الجودة؟ – لماذا لا تخصصون ولو مقال واحد عن الأسباب التي تجعل كل الرؤساء الجزائريين يفضلون الاستشفاء في المصحات الغربية؟ – لماذا لم تقفوا إلى جانب الحراك الشعبي الجزائري الأسطوري ، ذلك الحراك الذي مر طيلة أشهر في جو من السلمية و التحضر ، و الذي لم يكن يطالب سوى بالتخلص من النظام العسكري الشمولي و إقامة نظام مدني حديث، يضمن انتخابات نزيهة و تداولا سلميا على الحكم و فصلا تاما بين السلطات و استقلالا للقضاء والإعلام؟.
4 – و أخيرا وليس آخرا، لماذا لا تعيررون أي اهتمام لموضوع فتح الحدود بين المغرب والجزائر ، هذه الحدود التي ظلت مغلقة سنين عددا لدواعي بالغة التهافت، أليس من العار سيدي عطوان أن يظل حصار النظام الجزائري للشعب المغربي “الشقيق” طيلة هذه السنوات، مع الضرب بكل قيم حسن الجوار و الأخوة و الدين و التاريخ و المصير المشترك عرض الحائط؟ و حينما عزم هذا النظام “المقاوم المتصدي الممانع” أن يخنق عدوه المغربي من أقصى جنوب غرب البلاد .. وأنهى التدخل العسكري غير القتالي للمملكة بلطجة الانفصاليين و فسادهم في الأرض قامت الدنيا ولم تقعد! في كل الأحوال المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها و أيدينا ستظل ممدودة إلى أشقائنا الجزائريين الأحرار، الذين هم في أمس الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى العدالة و الحرية و الكرامة الإنسانية.
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق