“الخطاب السينمائي : لغة السينما وسؤال التلقي “

عبدالرحيم الشافعي

صحافي-باحث في الدراسات السينمائية

يلعب الخطاب السينمائي دورا هاما في تاريخ السينما،وخاصة عندما يتعلق الأمر بالسينما كلغة، حيث انكب النقاد و المنظرين و علماء اللغة، على دراسته كل من زاويته الخاصة،مما أذى إلى وجود تعارض و تباين واختلاف، بين مواقفهم و تصوراتهم، والموضوع الذي بين ناظرينا يندرج ضمن نفس المفهوم، إذ يسلط الضوء على مفهوم الخطاب السينمائي ومكوناته،و من هنا يمكننا بسط الإشكال التالي : ما مفهوم الخطاب السينمائي ؟ و ما دلالته الرمزية ؟ وأين تتجلى مكوناته ؟

يتجلى مفهوم الخطاب السينمائي في ابسط مدلوله،في كونه يتركب من كلمتين،تتجلى الأولى في الخطاب الذي يدل في مجمل تعريفاته على اللغة بين الوصف و التأويل، أما كلمة السينمائي فمصدره السينما، و معناها اللغوي صناعة تعبيرية تعتمد في لغتها على تركيب وقواعد و معجم وتقنيات تختلف من حيث الدراسة و التحليل، وفي معجم المصطلحات السينمائي لميشيل ماري،يتكون الخطاب من كود أي منظومة من العلامات و الرموز والإشارات، تسمح بناء على اصطلح ضمني أي اللغة، أو معلن،بنقل الرسالة من باعت إلى مستقبل فمنظومة العلامات تعني تركيبة نوعية خاصة بخطاب ما،أي أن الخطاب عبارة عن تركيبة من كودات صوتية و سيميائية و نحوية.

إن مفهوم الخطاب السينمائي شكل موضع نقاشات عدة في فترة السبعينات، بين كريستيان ميتز و غاروني و جون ميتري حول الكودات أن كانت تركيبية، أو نوعية تتعلق بمادة التعيير، أي مادة السينما،الحركة و منها حركة الكاميرا، أما المونتاج فيستطيع أن يتواجد أيضا في خطابات بصرية أخرى كالشريط المرسوم أو الرواية المصورة، و الكودات التشكيلية الخاصة بالصورة الثابة أو المتحركة، و هناك في السينما ما يسمى بالكود الألسني الذي تنتسب إليه الحوارات الحاضر في السينما، حتى الصامتة (العناوين الوسيطة) ليس نوعياً بالنسبة للسينما. وهكذا فكل ما يتعلق بموضوع الكلام أو بالكودات الثقافية سيكون غير نوعي.

في علم السرديات، لا يعتبر الكود نظاما عاما يصلح لجميع النصوص، بل لإظهار واكتشاف الأساليب الداخلية ضمن النصوص، و التركيبات الفريدة من الكودات حول تحليل رولان بارت ل سارازين لبالزاك، فهو يميز هذه القصة أسلوبا نصيا، مؤسسا على الكود المرجعي و الكود الرمزي، و هذا الأسلوب يعتبر خاصا بالنص ، أما بالنسبة للخطاب السينمائي،فتعتبر أبحاث كريستيان ميتز من أهم المحاولات التي تناولت اللغة السينمائية لسانيا في مقالة كتبها تحت عنوان هل السينما لسان أم لغة ؟ وقد تبنى أطروحتين، الأولى محاولة إقامة أساس علمي لدراسة السينما، و الثانية تحليل مشاكل الفيلم بواسطة هذا العلم، وقد وظف لدراسة السينما علم المعنى أو السيميولوجيا، أي ترك دراسة المظاهر الخارجية للفيلم، من أجل دراسة آليات الاشتغال للأفلام نفسها، حيث تقوم سيميولوجية السينما ببناء نمودج شامل يفسر كيفية اشتمال الفيلم على معنى محدد ناقلا دلالته الى المتلقي.

يحاول ميتز معرفة القوانين التي تجعل مشاهدة الفيلم ممكنة و كاشفة لأنماط الدلالة التي تعطي لكل فيلم خصائه الخاصة، فهو يرى أن المادة الخام للفيلم هي مجموعة من المعلومات التي ننتبه اليها عند المشاهدة، مثل الصورة المتحركة، المادة المكتوبة التي نقرأها بعيدا عن الشافة، الخوار و الموسيقى المسجلة، و المؤثرات الصوتية، و هذه هي مكونات الخطاب السينمائي التي تحدث عنها فران فينتورا في كتايه الخطاب السينمائي لغة الصورة، حيث ذكر أن ميتز أهتم بالدلالات في عملية تحليل الفليم و التي هي خليط من بين مكونات الفيلم والخطاب الفيلمي, والتي أشار فيها بوضع مقاربات بين اللغة و السينما، من خلال تساؤلاته العديدة في هعذا الإطار مثل، هل هناك ما يمكن أن نسميه اللغة السينمائية، و ما هي مقارباتها مع اللغة الحقيقة.

نلاحظ هنا أن ميتز تطرق إلى التناظر بين اللغة و الفيلم، و هذا ليس حقيقيا لأن الدلالة الفيليمية لا تشبه بالمرة اللغة الكلامية،لأن التحولات في اللغة الكلامية ليس لها مرجع مادي لكنها تتيح تغيرا كبيرا للمتداول، و هذا يعني أن الأجزاء الصوتية للغة الكلامية بأن تصبح شبكة دقيقة لإنتاج العديد من تنويعات المعنى، في حين أن السينما ترتبط ارتباطا وثيقا بمدلولها، فالصورة تقديم واقعي، و الأصوات هي إنتاج متطابق مع ما يشير إليه،و بالتالي عدم وجود قدر كافي لكي يتم تفكيك دلالات الفيلم دون قطع أوصال مدلولها.

وقد تطرق لقضية أخرى مهمة و هي أن السينما لا تكاد يكون لها حق في قواعد اللغة، في حين أن هناك قواعد محددة في اللغة الكلامية،أي لا يمكن أن نميز بين فيلم لا يخضع في بناءه للقواعد اللغوية و بين فيلم أخر يخضع لها، أي حسب ميتز لا يمكننا أن نصحح لصانع فيلم خطأ في النحو، أو اختيار خاطئ للصور، لماذا ؟ لأن أذواقنا قد تختلف وقد نرغب بصورة أخرىو لكن لا يمكننا فعل ذلك و القول أنه لا يخضع لقواعد، فكل شيء في السينما له معنى و دلالات و هذا ما يجعل لغة الفيلم تبدو مختلفة تماما عن اللغة الكلامية,

ومن هنا نخلص القول أن مفهوم الخطاب السينمائي، مرتبط بالأساس بمكوناته والتي تعتبر جزء من أجزاء الكل في الفيلم،فالصورة المتحركة و حركة الكاميرة و اللقطة و المشهد و البناء الدرامي، و المونتاج، و السيناريو كلها لغات لها رمزيتها ودلالتها.