إشكالية إعادة التطرف في السجون بإيطاليا والتمييز ضد المسلمين ذ. أحمد براو
ذ. أحمد براو إيطاليا
يطفو إلى السطح موضوع إعادة عملية التطرف داخل السجون الإيطالية والأوروبية كلما يتم إلقاء التهم بالتحريض على العنف والكراهية بين السجناء ومؤخرا حدث في سجن في إحدى المدن شمال إيطاليا أن اتهم رجل ذو خلفية دينية إسلامية محكوم عليه بالسجن ويقضي مدة محكوميته، بارتكاب جريمة أخرى وهي الدعاية والتحريض على العنف والإشادة بالعمليات الجهادية وهي جريمة تتعلق بجرائم إرهابية ولأسباب تتعلق بالتمييز العنصري والعرقي والديني. وقد طبقت محكمة تورينو أمر احتجاز احترازي على الرجل.
والظاهر أنه لما كان يقوم بإمامة الصلاة حض على الجهاد و تشجيع العمليات الإرهابية. ولعب المعتقل من أصل مغربي دورًا رائدًا في الخطابة و الصلاة في السجن بحيث كان يؤم المصلين لمدة ويلقي دروس ومواعظ جعلت إدارة السجن تتوجس وتتابع بشكل دقيق كل دعواته وخطبه حتى أعلنت بعد تحريات التهم الموجهة إليه.
كما هو معلوم الأديان في السجون الإيطالية ليست متساوية، ولا تحظى كلها بنفس الحقوق والحريات الدينية، ويمكن التمييز بين مختلف المستويات: الديانة الكاثوليكية التي ، وفقًا “للكونكورداتو” فبراير 1929 أي الإتفاقية التي تنظم العلاقة بين الكنيسة والدولة، تنص على أماكن عبادة في كل سجن وقسيس معين رسميًا من قبل إدارة السجون كموظف عمومي في المؤسسة ؛ ثم الديانات الأخرى التي دخلت في اتفاقيات مع الدولة الإيطالية تحت مسمى “انتيزا” وهي 12 عشر ديانة مستثنى منها الدين الإسلامي ، والتي تجعل السجن يبدي لها اعتراف بدرجة معينة من الرسمية ؛ وأخيرًا ، تلك الطوائف التي ليس لها تفاهمات أو اتفاقات مؤسسية كالإسلام ، حيث لا يمكن لأي وزر عبادة أو أئمة من ولوج السجون إلا كوسطاء ثقافيبن متطوعين ، مثل العديد ممن يقدمون المساعدة أو ينظمون أنشطة ترفيهية للمحتجزين.
هناك حوالي 8000 سجين مسلم بشكل رسمي أعلنوا انتمائهم للدين الإسلامي (ولكن ربما أكثر ، لأن الكثيرين لا يعلنون ذلك بشأن هذه القضية) ، أي ما يعادل سُبع العدد الإجمالي من النزلاء وفقًا للاستطلاع الأخير. ومن الواضح أن كل دراسة استقصائية يجب أن تأخذ دائمًا في الاعتبار حرية الفكر أو الخوف من إعلان الإنتماء وسرية الخصوصية، بسبب العواقب والمعاملة القاسية وكذلك من حيث زيادة الضوابط والعراقيل ضد المسلمين.
في عام 2015 ، أبرمت إدارة السجون مذكرة تفاهم مع الأوكُويْ (اتحاد الجاليات الإسلامية الإيطالية) ، والتي من خلالها تمكن من دخول سجن عدد من الأئمة المعترف بهم والمصرح لهم من قبل وزارة الداخلية ، يعتبرون أئمة معتدلون ولهم دراية وتكوين جامعي بالنسبة للقوانين المنظمة والدستور الإيطالي والعلاقة بين الدولة وممثلي باقي الديانات كما يعتبرون هؤلاء الأئمة والمرشدين المتطوعين أكثر ديمقراطية وسلمية يؤمنون بالتعايش وينبذون العنف والتطرف زيادة على تشبعهم بالثقافة الإسلامية الوسطية في الوقت نفسه ، وقد تم إطلاق دورات تكوينية عليا في السنوات الأخيرة خاصة في جامعة بادوفا وباري في هذا الصدد وتخرج منها العديد من الأئمة وزراء عبادة ومرشدات حول طرق أدائهم الخدمة بالسجون وبموازاة ذلك أقيمت دورات تدريبية كذلك لموظفي السجون.
كان الهدف من هذا البروتوكول الموقع بين ممثلي الجاليات والمنظمات مع وزارة الداخلية مهمًا بالتأكيد، لأنه مكن العديد من مدراء السجون الإستفادة من تجارب هؤلاء الأئمة والاستجابة لطلبات النزلاء بتوفير حق ممارسة الشعائر الدينية خصوصا رمضان والجُمَع والأعياد والمناسبات.
حقا لطالما نوقشت مسألة كيف يمكن للسجون الأوروبية أن تصبح ساحة للتطرف وتعرض لها العديد من الباحثين بإصدار بحوث علمية في علم الإجتماع، نخص بالذكر الأستاذ الجامعي المغربي محمد خالد الغزالي الذي أصدر كتاب في الموضوع. بحيث يكمن التناقض الحقيقي فقط في المنع بحق السجناء المسلمين من التمتع بحقوقهم كباقي الأديان ، وعلى أساس عدم احترام الحقوق ، بما في ذلك تلك المتعلقة بالحريات الدينية. أظهرت العديد من الأبحاث التي روج لها الاتحاد الأوروبي ، في أعقاب الهجمات الدموية في السنوات الأخيرة ، كيف يمكن للشخص المحتجز أن يميل إلى التطرف العنيف عندما تكون كراهية الغرب ناتجة عن تصور التمييز الديني والافتقار إلى حماية كرامة الفرد المسلم.
بعد تنفيذ مذكرة التفاهم البروتوكول بين إدارة السجون والأوكُويْ جزئياً ، وكذلك فيما يتعلق بالجزء المهم استراتيجياً المتعلق بتدريب الموظفين في المؤسسات والإدارات والشرطة المكلفة بالسجون هناك 13 إمامًا في كل التراب الإيطالي يدخلون اليوم للسجون بفضل هذا التفاهم، لكن غالبًا بدون استمرارية لأنه لا يوجد هناك دعم و غالبا ما يقتصر فقط على مناسبة شهر رمضان أو الأعياد الدينية المحددة، لكن حسب الحاجة وبطريقة تطوعية كما سبق الذكر يُصرح لـ 30 إمامًا آخرين بغض النظر عن البروتوكول وهذه كلها أعداد تعد قليلة جدا، إذا اعتبرنا أن هناك حوالي مائتي سجن إيطالي للكبار والقاصرين الذين يحتاجون التكوين الديني على الطريقة الإيطالية، يجدون أنفسهم بدون أئمة ووعاظ خارجيين مرخصين ، ولذلك يبادر وينتظم نزلاء العقيدة الإسلامية فيما بينهم للصلاة وتنظيم أنفسهم بطريقة أو بأخرى تفتقر للفضاءات والاختصاصات، ليس هناك ما يضمن في هذه المرحلة ما يمكن تأكيده حول ما حدث ربما في هذا السجن التي اتهم إمامه المتطوع بالتحريض على العنف والإرهاب مما يترك خطر إعادة التطرف مفتوحًا.
يتضمن منع التطرف في السجن الاعتراف بالحقوق الأساسية للسجناء. كما أشارت الهيئات الدولية ، بدءًا من الأمم المتحدة ، و من الضروري ضمان ظروف حقوقية كريمة للاحتجاز ، والتي لا تغذي المسارات الشخصية للإيذاء النفسي والفكري، يجب تكون هناك أيضًا مساحات مخصصة للصلاة والتعبد واحترام الطقوس، ولمواجهة التطرف يجب علينا إزالة الحجج والمبررات التي تغذيه.
Share this content:
إرسال التعليق