مداغ :محمد قرابطي
ساهم رئيس مؤسسة الملتقى الدكتور مولاي منير القادري مساء السبت الثاني من الشهر الجاري في الليلة 111 ضمن فعاليات ليالي الوصال الرقمية التي تنظمها مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بتعاون مع مؤسسة الجمال، بمداخلة اختار لها كعنوان “التقوى حفض للدين ومعاملة باللين ورضا لرب العالمين”.
قال في مستهلها” إن القلب أشرَفُ ما في الإنسان، وأنه محل العلم منه والعِرفان، إذا صلَح استَنارَتْ بَصِيرة الإنسان وطابَتْ سَرِيرَتُه، وخلصت نيَّته، وعظُمت في الله معرفته، وامتَلأ وجدانه من تَعظِيم الله وهيبَتِه، وخوفه ومحبَّتِه، ورجائه وخشيَتِه”.
وأضاف أن القلب هو محلُّ نظَر الله من العَبد، بصَلاحِه تستَقِيم الجوارح، وتصلُح الأعمال، وتُسدَّد الأقوال؛ مستدلا بالحديث الشريف: ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ )، وزاد أن القلوب الليِّنة الرقيقة الرحيمة الوَجِلة هي القلوب الصالحة القريبة من الله، التي تشتَمِل على التَّقوى.
وأوضح أن التقوى هي الوقاية والصيانة والحذر والعمل بما أوجب الله، وأنها قطب العبادات والطاعات، واعتبرها سفينة النجاة في الدنيا والآخرة والتي تعم بخيرها الأفراد والمجتمعات، وأنه لا يزيغ عنها إلا هالك، مستشهدا بالحديث الصحيح “تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك”.
ونوه الى أن المتقين هم أهل السعادة في الدنيا والآخرة ، وأردف قائلا : “أن التقوى تحصل بإتباع الحق ومجاهدة النفس والإحسان لسائر الخلق وبالتوجه بالدعاء وذكر الحق عز وجل ، و التواضع “، لافتا الى أهمية المعية الصادقة في معرفة حقيقة النفس و اليقظة اتجاه الحظوظ النفسانية و تجديد مقومات الحياة الروحية والقلبية في النفوس.
وحذر بالمقابل من أن غياب التقوى يسهم في انتشار الجريمة وانتهاك أعراض الناس وأموالهم واستباحة دمائهم، وبأن هذا الغياب يولد العنف و الغلظة والقسوة التي تعاني من ويلاتها المجتمعات المعاصرة، مبينا أن تقوى الله عزوجل تهدي الى خير الأخلاق والى خير الأعمال ، مذكرا في هذا الصدد بأن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث ليكمل مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال كما جاء في الحديث الشريف ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” .
وأكد على أن التقوى ضابط أساسي من ضوابط السلوك الإنساني في هذه الحياة ، لأنها في حقيقتها استحضار لمراقبة الله والحرص على مرضاته والخوف من عذابه، وأنها تمنع الإنسان من ارتكاب السوء والمحذورات والتجني على غيره من الناس، فيكون بذلك نافعا لنفسه ولمجتمعه ، موردا قول حجة الإسلام الإمام الغزالي رحمه الله في كتاب الإحياء “أن القلب اذا فسد أنتج خواتم الشر التي تنتج بدورها السلوك المنحرف “.
وأشار الى أن التربية الصوفية اهتمت في كل زمان ومكان على يد العلماء الربانيين بأمرين: أولهما : تزكية النفس بالتدرج، وثانيهما : التوجه بالوصول لمعرفة المعبود وتزكية النفس بإصلاحها والارتقاء بها من الصفات المذمومة الى الصفات المحمودة ، كما أنها تروم تحريرها من غرائزها الفطرية و تعزيز قواها الروحية وحصول المعرفة التي هي فعل القلب وذلك عن طريق تطهيره، مشيرا الى أن غاية كل عبادة هي معرفة المعبود، وأن هذا هو جوهر الدين و عماده.
وأضاف أن التصوف مدرسة تسعى إلى تقديم رؤية شمولية للتربية المتكاملة تعتمد التربية على القيم الروحية والاخلاقية أساسا لبناء شخصية الإنسان المتكامل جسدياً وعقلياً وروحيا انفعالياً ووجدانياً، وجعله شخصا مبدعاً ومتكاملاً وحكيماً في استثمار هذه المعرفة لخيره ولخير المجتمع ولوطنه.
وزاد أن التربية الروحية تحقق البعد الأخلاقي في سلوك الإنسان، وتحرر قلبه من العبودية للأسباب من مال وجاه ومنصب، وانها تنمّي فيه قيم الخير ومحبة الآخرين واحترام الآخر، وتعطيه مناعة في مواجهة مشاعر الكراهية و العنصرية والاستكبار والاستطالة على المستضعفين، وتكسبه تعاطفا مع الخلق و احتراما لحقوق الإنسان و الحيوان والطبيعة، ليخلص الى أنها “إعادة تشكيل للشخصية الإنسانية على أساس عرفاني رباني”.
وقال القادري ” إن التصوف رصيد تربوي، أسهم – عبر التاريخ – بصورة فعالة جدا، في تشكيل الوجدان الديني المغربي، والسلوك الاجتماعي الوطني، لكونه إرثا روحيا تعهدته عزائم الصادقين و همم الراسخين بالمحافظة عليه من الشوائب و العمل على تذليل صعابه حتى استوى خطابا معتدلا جامعا بين الشريعة و الحقيقة و الذوق و السلوك و إصلاح الفرد و المجتمع ، نهج أسس للمغرب الثوابت الوطنية و الدينية التي أكسبته منعة و حصنت أهله من كل اختراق في ضل القيادة الرشيدة لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله و أيده”.
واختتم مداخلته بالتذكير بفضل العشر الأوائل الأيام ومكانتها عند الله عزوجل ، داعيا الى اغتنامها بالتقرب الى الله اقتداء بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم مستدلا بنصوص من الوحيين .
يذكر أن الليلة الرقمية 111 وعلى منوال الليالي الرقمية السابقة عرفت مشاركة علماء ومثقفين بمداخلات علمية باللغتين الفرنسية والانجليزية الى جانب اللغة العربية ، وتقديم فقرات توعوية ، ووصلات من بديع السماع والإنشاد، كما تم تقديم التعازي في وفاة عدد من الشخصيات التي التحقت بالرفيق الأعلى من بينها تعزية في وفاة عبد الهادي بركة نقيب الشرفاء العلميين .
Share this content:
إرسال التعليق