عبد الله بن أهنية
The role of motivation in obtaining better educational outcomes
بالرجوع إلى بعض الأبحاث التي قام بها العديد من المهتمين والباحثين في موضوع “التحفيز” (Motivation) أمثال روبينس وآخرون Robbins et al. 2004، وهاتي Hattie ، 2009 ، وبلانتي وآخرون Plante et al. ، 2013، وكذلك ويغفيلد وآخرون Wigfield et al. ، 2016، يتبين لنا بأن موضوع التحفيز لا يعد لبنة أساسية في العملية التعليمية فحسب، بل هو معيار فعال يتضمن مجموعة متنوعة من التركيبات المختلفة التي يسوقها المعلم بغية إيقاد حماس الطالب وتشجيعه على المشاركة وبذل المزيد من العطاء. ويرى العديد من هؤلاء الباحثين بأن عامل التحفيز نفسه يخضع لضوابط وعوامل اخرى ويختلف من بيئة إلى أخرى بما في ذلك الثقافة المحلية لكل من المعلم والمتعلم، وكذا معتقدات كل منهما، وميولهما الشخصي، وما هي القيمة التي يوليها كل منهما للحياة وللأشياء التي تؤثر فيهما، بالإضافة إلى الأهداف السامية التي يصبو إليها كل واحد منهما. وبذلك يكون التحفيز بالفعل أحد العناصر الهامة التي تمس الطالب بشكل مباشر خلال العملية التعليمية. ولذلك، نحاول من خلال هذه المقالة تسليط الضوء على بعض هذه الحواجز أو العوائق، وتقديم اقتراحات وتوصيات حول كيفية تعزيز عامل التحفيز لذى المتعلمين، والمساعدة في الحد من التحصيل الضعيف والفشل في التعلم. كما أن “التحفيز” مرتبط بالعوامل الداخلية والخارجية التي توقد الرغبة والطاقة لدى الأشخاص ليكونوا مهتمين وملتزمين باستمرار بوظيفة أو دور أو موضوع ما، أو لبذل جهد لتحقيق هدف معين. ومما لا شك فيه أن التحفيز يبعث بالشعور بالارتياح والسعادة والاعتزاز بالنفس ويفتح شهية المتعلم إلى بذل المزيد من العطاء والتنافس في التحصيل المعرفي.
التحفيز مهارة أساسية بالنسبة للمعلم:
يمكن القول بأن التحفيز هو واحد من أكثر المهارات أو الجوانب صعوبة في عملية التدريس والتي تواجه المعلمين بشكل عام وأولئك في منطقة العالم العربي بشكل خاص، إذ أن كيفية “تحفيز” المتعلمين قد تأتي بنتائج عكسية إذا ما غفل المعلم عن الجوانب المؤثرة في سلوك المتعلم بما في ذلك بيئته الثقافية والاجتماعية والأسرية. ولتوضيح هذه النقطة بالذات، يمكن تصنيف مجتمع الطلاب إلى مسارين رئيسيين: أولئك الذين يفكرون في التعليم كوسيلة تساعد الشخص على تحقيق أهدافه وغاياته والتفوق في الحياة؛ وفئة أخرى تعتبر التعليم رفاهية تكميلية تضاف إلى أسلوب حياتهم الباذخ والثروة المتراكمة من قبل عائلاتهم. هذا الصنف الأخير لا يهمه التحفيز ولا غيره، بل تجده يعيش في برج عالي بعيداً عن أجواء الدرس أو المؤسسة، وبالتالي فهو لا يعير اهتماماً لتحفيز المعلم أو شجبه له. هذا يعتبر في حد ذاته بمثابة حاجز اجتماعي ثقافي لتطبيق عامل التحفيز في الفصل بالإضافة إلى الحواجز الأخرى التي سبق ذكرها. وبما أن المعلم هو صاحب السلطة في الفصل، فعليه أن يكون مؤهلاً وعلى دراية تامة بمختلف طرق التدريس الكلاسيكية وكذلك الحديثة، وكذلك فنون تسيير الفصل، ومتى يستخدم عامل التحفيز كأداة لإيقاد قريحة الطلاب وتحبيب المادة إليهم. ويمكن القول بأن عامل التحفيز عادة ما يتعرض له الأساتذة المتدربون خلال مسيرتهم التدريبية، غير أنه بإمكان المدرس أو المعلم أن يكتسبه كمهارة وأداة فعالة يستخدمها متى ما كانت الفرصة سانحة لضمان نتائج إيجابية مؤكدة. ولاشك أن على المعلم الالمام بالحالة النفسية وميول طلابه، وأن يكون ملماً أيضاً بالتركيبات التحفيزية المتنوعة التي قد تكون كمؤشرات للإنجاز الأكاديمي للطلاب بما يتجاوز قدراتهم المعرفية والإنجازات السابقة. بل إن بعض الدراسات في هذا المضمار قد أشارت إلى أن معظم التركيبات التحفيزية قد تنبأنا بالإنجاز الأكاديمي الذي يمكن للطالب تحقيقه أو حتى بما قد يتجاوز الذكاء لديه، أو التنبؤ بإنجاز الأهداف ودوافع الإنجاز مثل المعتقدات التحفيزية المتعلقة ببيئة وطبيعة الطالب وحالته النفسية، ودوافع الإنجاز (انظر على سبيل المثال مورفي وألكساندر، 2000 ؛ ويجفيلد وكامبريا، 2010؛ ويجفيلد وآخرون، 2016). وبما أن أداة التحفيز من الممكن أن تكون مهارة مكتسبة مربحة لكلا الطرفين، فلابد من الحث عليها وتوسيع مجالات استخدامها وبالشكل الايجابي اللائق.
متى يستخدم التحفيز ؟:
لقد رأينا معاً كيف أن التحفيز يشكل جزءاً لا يتجزأ من العملية التعليمية، ومع ذلك ، لا يبدو أن التحفيز يتعلق بالتربية والتعليم فقط، بل هو بالأحرى غريزة إنسانية تنطبق على الناس أينما كانوا وفي جميع مناحي الحياة، بل وفي كل ما ينوون اكتسابه. لذلك، يجب أن نلاحظ أنه من أجل البقاء والحفاظ على استمرارية أي عمل أو تجارة أو معاملة في أي مجتمع، على سبيل المثال، فمن الضروري لأي منشأة سواء تجارية أو تعليمية، أو أي منظمة الامتثال لاستخدام أداة التحفيز بغية الاحتفاظ بموظفيها وذلك عن طريق التحفيز المادي والمعنوي أو كلاهما في آن واحد إن دعت الضرورة إلى ذلك. ويمكن تطبيق هذا الأخير في جوانب مختلفة: المادية أو غير المادية. على سبيل المثال، قد تقرر الهيئة الإدارية لمنظمة ما مكافأة أفضل موظفيها إما من خلال منحهم زيادات أو دعم مالي أو شهادة تقدير أو مجرد إقامة حفل لهم (أو أي شكل آخر من أشكال المكافآت). كما يمكن تحفيز قسم مدرسي بالكامل، على سبيل المثال، علما بأن المؤسسة التي تتخذ التحفيز كشعار ومبدأ دائم في معاملتها مع طلابها ستساعد في الحفاظ على سمعتها ومعاييرها كمنشأة تربوية وتعليمية حقيقية قادرة على إنتاج قِوى عاملة مستقبلية ذات مهارات عالية ومتحفزة. لذلك، فإن التحفيز، كما ذكر باتريك كونغيني (2015)، ضروري للمنظمة، ويمكن اعتباره ذلك الوقود أو الزنجبيل الذي يوفر الطاقة للعمل البشري.
وتجدر الاشارة إلى أن المعلم هو الوحيد الذي يمكنه تحديد من يستوجب تحفيزه داخل الفصل ومتى. ومما لا شك فيه أن التحفيز هو أداة مجربة، أثبتت الدراسات أنها إذا ما استخدمت في محلها وفي الوقت المناسب تأتي أكلها وعلى أحسن وجه. كما أن الدراسات أثبتت أيضاً أن الدراية بالمقاييس والجرعات التي يجب استخدامها في الوقت المناسب هي شيء مهم بالفعل.
ووفقًا للمنظور المعرفي الاجتماعي، فإن تحفيز الطلاب من طرف الوالدين أو الأسرة له آثار إيجابية ويساند، إلى حد بعيد، ما يقوم به المعلم من تحفيز. فإن التقيا في هذا الهدف كان للتحفيز أقصى درجات العطاء. كما يجب أن نأخذ في الاعتبار أيضًا نموذج الشخصية التقليدي للتحفيز وبالتالي، فإننا نعتبر دوافع الإنجاز والأمل في النجاح والخوف من الفشل إلى جانب قدرة الطلاب على المفاهيم الذاتية، والقيم المنوطة بالمهام المسندة إليهم، رهينة بمدى رغبة المعلم والوالدين أو الأسرة في استخدام آلية التحفيز. ومن ناحية أخرى يمكن القول بأن التحفيز قد يكون بوسائل شتى، أدناها الكلمة الطيبة التي يكون لها الأثر البالغ على نفسية الطالب وعلى شعوره ويترجمها سلوكه السوي وتحصيله المعرفي المميز.
*باحث في مجال التربية والتعليم والثقافة
abdul14v23@gmail.com
Share this content:
0 comments