كلمة السيد محمد الدخيسي والي الأمن مدير الشرطة القضائية، نيابة عن السيد المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني؛
متابعة عبد الحق عبد النجيم
بسم الله الرحمـــــن الرحيـــــــم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه،
السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة؛
السيد اللواء، مكلف بمهام الشرطة القضائية بقيادة الدرك الملكي ممثلا عن قائد الدرك الملكي؛
السادة مسؤولو وأطر رئاسة النيابة العامة؛
السادة أطر المصالح المركزية للمديرية العامة للأمن الوطني وممثلو المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني؛
السادة الوكلاء العامون للملك لدى محاكم الاستئناف والسادة النواب الأولين للوكلاء العامين الحاضرين ؛
السادة ولاة الأمن والسادة رؤساء الأمن الجهوي والإقليمي، والسادة ممثلو المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني؛
السادة مسؤولي القيادات الجهوية للدرك الملكي؛
السادة القضاة وقضاة التحقيق؛
السادة رؤساء المصالح الولائية والجهوية والإقليمية للشرطة القضائية؛
السادة ضباط الشرطة القضائية للأمن الوطني والدرك الملكي؛
أيها الحضور الكريم.
اسمحوا لي بداية، نيابة عن السيد المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني، وبالأصالة عن نفسي وعن أطر ومسؤولي قطب المديريتين العامتين للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني الحاضرين معنا في هذا الجمع المبارك الميمون، أن أعبر للسيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، عن بالغ التقدير والامتنان لمبادراته الرصينة والهادفة إلى دعم التعاون والتنسيق المؤسساتي بين مختلف مكونات السلطة القضائية المكلفة بالمتابعة والتحقيق، وعلى رأسها هيئات النيابة العامة المنتصبة لدى مختلف محاكم المملكة، والمصالح الأمنية المكلفة بمهام الشرطة القضائية على امتداد التراب الوطني، بما يساهم في دعم وتطوير منظومة البحث الجنائي والشرطة القضائية على اختلاف مستوياتها التنظيمية ومجالات تدخلها، توصلا إلى تحقيق أهداف النجاعة القضائية ودعم الإحساس بالعدالة والأمن والثقة بالمؤسسات ببلادنا.
وشكرنا وامتناننا موصولان، أيضا، إلى نظرائنا في قيادة الدرك الملكي، عن مستوى التنسيق وتكاثف الجهود بين مؤسستينا الأمنيتين ومصالحهما ووحداتهما المكلفة بالمحافظة على الأمن والنظام، والذي يمتد إلى مجالات تدخل الشرطة القضائية ومكافحة الجريمة والبحث عن المجرمين والقيام بمختلف إجراءات البحث والمسطرة، من خلال تعبئة الجهود والإمكانات المتاحة من أجل تنفيذ المأموريات المشتركة، بروح من التعاون والتنسيق وتقديم المساعدة والدعم المطلوبين، وفقا للقوانين والأنظمة المعمول بها، وعملا بنظام المصالح والفرق العاملة بالميدان.
أيتها السيدات والسادة؛
إن هذه الدينامية التشاركية التي أطلقتها رئاسة النيابة العامة بتنسيق مع هذه المديرية العامة بمناسبة الاجتماع التنسيقي التواصلي المنعقد برحاب المعهد العالي للقضاء بتاريخ 11 يونيو 2021 بين السادة المسؤولين القضائيين برئاسة النيابة العامة والوكلاء العامين للملك بمختلف محاكم المملكة مع المدراء المركزيين ورؤساء القيادات اللاممركزة للمديرية العامة للأمن الوطني، والتي تواصلت بسلسلة الندوات التكوينية الجهوية المنظمة لفائدة قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق وكذا مسؤولي ضباط الشرطة القضائية بالأمن الوطني والدرك الملكي خلال الفترة الممتدة ما بين 24 مايو إلى غاية 17 يوليوز 2023 والتي احتضنتها مدن فاس ومراكش والدار البيضاء وأكادير وطنجة، تميزت بحضور ومشاركة وتنشيط نخبة من مسؤولي وأطر النيابة العامة لدى مختلف محاكم المملكة، إلى جانب نظرائهم من أطر الإدارات المركزية ومسؤولي القيادات اللاممركزة للأمن الوطني وقيادة الدرك الملكي المكلفين بمهام الشرطة القضائية وتدبير ومراقبة المصالح والوحدات الترابية أو المتخصصة في هذا المجال.
وعلاوة على برنامج الندوات التكوينية السابقة، والتي أريد لها أن تكون جهوية في تنظيمها وشاملة وغنية في موضوعاتها وفي القضايا المعروضة للنقاش التفاعلي المفتوح الذي ميز مختلف أطوار ومراحل هذه اللقاءات، توجت هذه اللقاءات التكوينية، التي لقيت صدى قويا لدى مختلف المنظمين والمشاركين والمنشطين ولدى قيادات ومسؤولي الهيئات المعنية، باعتماد قائمة مركزة ودقيقة من التوصيات والمخرجات التي تصب في مجملها في اتجاه تجويد عمل الشرطة القضائية والبحث عن سبل الرفع من مستوى أداء القائمين بها والمشرفين عليها والمكلفين بمراقبتها والتأكد من انضباطهم جميعا لأخلاقيات المهن القضائية والشرطية والتزامهم بمبادئ حقوق الإنسان والحريات الأساسية خلال القيام بهذه المهام وتنفيذ المأموريات المنوطة بهم. وقد جاءت التوصيات المعتمدة كخلاصة للنقاش التفاعلي الرصين والهادف الرامي إلى دعم سياسة القرب القضائية واعتماد وسائل الرقمنة والتكنولوجيات الحديثة، إن على مستوى التبادل والتنسيق المؤسساتي، أو على مستوى التدبير الإداري والتقني لعمل الهيئات القضائية والمؤسسات الأمنية المكلفة بمهام الشرطة القضائية.
أيها السيدات والسادة؛
وبالتئام شملنا اليوم في هذا اللقاء الثاني عالي المستوى، لا يسعنا إلا أن ننوه إلى أن المبادرات ومستويات التبادل والتعاون بين هيئات النيابة العامة ومصالح الأمن الوطني المكلفة بمهام الشرطة القضائية، لم تعد قاصرة على تنظيم لقاءات ظرفية، إن على المستوى الوطني أو الجهوي أو القطاعي، بصورة معزولة أو مناسباتية، بل تتعداها إلى مواصلة عمليات التنسيق والاتصال والتواصل المؤسساتي لتشمل متابعة تنفيذ ما تم التوصل إليه وتقييم مستوى هذا التنفيذ على أرض الواقع والتأكد من مطابقة التأويلات العملية لما تم التوافق عليه مع الأهداف المرسومة.
في هذا السياق العام، لا يفوتنا أن نذكر بأن هذه المديرية العامة، والتزاما منها بمخرجات الندوات التكوينية الجهوية المذكورة، وعلى غرار ما سبقها من توصيات الاجتماع التنسيقي عالي المستوى المنعقد برحاب المعهد العالي للقضاء بتاريخ 11 يونيو 2021 بين السادة المسؤولين القضائيين ونظرائهم بالمديرية العامة للأمن الوطني، بادرت من جانبها، إلى تعميم التوصيات والتوجيهات العامة المنبثقة عن سلسلة هذه اللقاءات، مشفوعة بالتعليمات المديرية الرامية إلى نشرها على نطاق واسع على جميع ضباط وأعوان الشرطة القضائية العاملين بمختلف مصالح الأمن الوطني المكلفة بمهام الشرطة القضائية، على المستويات الوطنية والجهوية والمحلية مع حثهم على العمل بها وتنفيذها على الوجه القانوني الصحيح، كما تم تكليف المديريات المركزية المعنية للشرطة القضائية والأمن العمومي-بوضع مخطط عمل من أجل متابعة التنفيذ، بما في ذلك عن طريق القيام بإجراء عمليات التفتيش الوظيفية المطلوبة للتأكد من تنزيل الإجراءات والتدابير المطلوبة، وإعداد تقارير دورية في سياق مخطط هذه المديرية العامة للوقاية ومحاربة الجريمة في الفترة الممتدة ما بين 2022-2026.
وتركزت التوجيهات المعممة لهذا الغرض، على اتخاذ ما يلزم من تدابير تنظيمية وتأطيرية وغيرها من الإجراءات الرامية إلى الرفع من مستوى أداء المصالح الأمنية المكلفة بمهام الشرطة القضائية التابعة للأمن الوطني، من خلال تجويد المساطر المكتوبة والقيام بإجراءات البحث والتحري بمهنية ووفق الضوابط القانونية والمسطرية، مع الحرص على استيفاء شكليات المسطرة واستكمال عمليات البحث والتدقيق التي تستلزمها القضية، دون الإخلال بالإخبار الواجب للمصالح المركزية لهذه المديرية العامة وتنفيذ أوامر وتعليمات النيابة العامة المختصة في تسيير أبحاث الشرطة القضائية المعهود بها إلى المصالح والأقسام والفرق المتخصصة، جنبا إلى جنب مع مفوضيات الشرطة ومصالح حوادث السير التابعة لكم.
وبهذا الخصوص، تم التأكيد، تحت طائلة المساءلة الإدارية، على ضرورة التقيد الدقيق بالشروط المطلوبة لمعالجة القضايا المسجلة أو المعهود بها إلى مصالح الأمن الوطني المكلفة بمهام الشرطة القضائية، مع اتخاذ ما يلزم من إجراءات إدارية وتنظيمية أو مسطرية أو غيرها، من أجل التقيد بما تم التوافق عليه بين مسوؤلي هذه المديرية العامة ونظرائهم في رئاسة النيابة العامة وكذا السادة الوكلاء العامون للملك من أجل الرفع من مستوى أداء المصالح المكلفة بمهام الشرطة القضائية والحرص على معالجة القضايا في آجال معقولة. وموازاة مع هذه التوجيهات، تم تعميم مذكرات خاصة على المصالح والوحدات المكلفة بالمراقبة الإدارية وتتبع اخلاقيات المهنة الشرطية، من أجل اتخاذ ما يلزم من تدابير إدارية وتنظيمية وغيرها، الرامية إلى تفعيل إجراءات المراقبة الوظيفية وزيارات التفتيش لضبط الإخلالات التدبيرية أو التقنية أو المسطرية التي تمس بحسن أداء المصالح الأمنية والعمل على توفير الشروط الموضوعية المطلوبة لتحقيق الفعالية والنجاعة واحترام الزمن الإجرائي في القيام بالمهام وتنفيذ المأموريات الموكولة لمصالح الأمن الوطني بجميع تشكيلاتها.
ومواصلة لهذه التدابير ولأوجه التنسيق والتعاون مع رئاسة النيابة العامة وعموم السلطات القضائية، انخرطت هذه المديرية العامة في مخطط عمل قوامه تنظيم دورات تكوينية مشتركة لفائدة قضاة النيابة العامة وضباط الشرطة القضائية من أجل الرفع من جودة الأبحاث الجنائية ومن مستوى أداء القائمين بها والمشرفين على تسييرها، بالتركيز على الجوانب المهنية والتقنية للبحث والمسطرة وإنجاز مختلف الإجراءات المطلوبة في إطار الاحترام الدقيق للحقوق والحريات الأساسية التي يضمنها القانون، مع الحرص على إيلاء نفس القدر من الاهتمام والتركيز لأخلاقيات العدالة الجنائية ومحاربة الفساد بجميع أشكاله، توصلا إلى توفير الشروط الموضوعية المطلوبة لتحقيق عدالة جنائية كفؤة ونزيهة، والتي هي أساس النجاعة القضائية ومصدر الإحساس بالأمن والعدالة والطمأنينة لدى المواطنين وعموم الساكنة على امتداد التراب الوطني.
أيتها السيدات والسادة؛
إن تحقيق أهداف التنسيق المؤسساتي التي هي أساس هذا اللقاء الثاني عالي المستوى ومبرر تنظيم الندوات الجهوية التكوينية المرجعية وما سبقها أو سيعقبها من دورات أو لقاءات تكوينية أو تواصلية، وطنية أو جهوية، والتي ترمي إلى جعل الشرطة القضائية في مختلف مجالات تدخلها رافعة لتحقيق العدالة الجنائية ومحاربة الجريمة والمساهمة في تحقيق الإحساس بالأمن والعدالة، لن يتأتى إلا من خلال تجويد عمل الشرطة القضائية والرفع من مستوى أداء القائمين بها، في إطار احترام الجميع للحقوق والحريات وامتثالهم لأخلاقيات المهن القضائية والشرطية التي تحكم مهام ووظائف مختلف المتدخلين في مهام الشرطة القضائية، من سلطات البحث والتحقيق والمتابعة وكذا الهيئات المكلفة بتسيير الأبحاث الجنائية وممارسة سلطات المراقبة القضائية، إلى جانب الإدارات المكلفة بالإشراف الإداري والتقني ومباشرة مختلف مهام المراقبة الوظيفية ومتابعة التنفيذ والتقييم.
أيتها السيدات والسادة؛
لقد كانت الخلاصات والتوصيات التي تم التوافق عليها خلال اللقاءات التكوينية الجهوية السابقة، موفقة إلى حد كبير في رصد مكامن الخلل في عمل الشرطة القضائية وفي علاقتها بهيئات الإشراف وتسيير الأبحاث الجنائية، إن على مستوى النيابة العامة أو قضاء التحقيق، مثلما مكنت من إثارة الانتباه إلى عديد الإجراءات والتجارب التدبيرية التي تنطوي على ممارسات جيدة تستحق التثمين، توصلا إلى تحقيق الأهداف العليا السامية السابقة التي نسعى إليها جميعا.
وعلاقة بالموضوع، وفي سياق الجهود المبذولة من قبل المديرية العامة للأمن الوطني من أجل الرفع من مستوى أداء المصالح والوحدات المكلفة بمهام الشرطة القضائية التابعة لها، لم يفتها أن تلاحظ بأن التنزيل الأمثل لما تم التوافق عليه من مخرجات ومرئيات بشأن الرفع من قدرات ضباط الشرطة القضائية وكذا مختلف المتدخلين في إجراءات البحث والمسطرة الجنائية بما يساهم في تحسين مستوى الأداء وجودة العمل الذي يقومون به، مع الحرص على احترام قيم النزاهة والشفافية وأخلاقيات المهن القضائية والأمنية، يرتبط بشكل متزامن ومتلازم، بتوفير البيئة المهنية المطلوبة وكذا الشروط الموضوعية اللازمة لممارسة مهام البحث الجنائي وتنفيذ المأموريات القضائية ذات الصلة، من خلال وضع إطار تنظيمي مساير يستجيب لمتطلبات الواقع العلمي ومستجدات المحيط المهني، مع رصد الموارد البشرية المؤهلة وتوفير الإمكانات المادية والدعم اللوجستيكي المطلوب لاعتماد قواعد الحكامة والتدبير الإداري والتقني المعتمد على التوظيف الأمثل للموارد المتاحة وعلى التقنيات والأساليب العلمية المستحدثة وجعلها في خدمة البحث والعدالة الجنائية، بوجه عام.
وإذ أحيل على مداخلات ممثلي الأمن الوطني، الذين سيتولون، كل في ما يخصه، بسط واقع التنسيق القائم ومستوى التقدم المحرز في تنفيذ التوصيات والمخرجات المرتبطة بتجويد أبحاث الشرطة القضائية من قبل المصالح والهيئات المعنية التابعة للأمن الوطني وكذا استعراض التقدم المحرز، على المستويين المركزي واللاممركز، لمواجهة
الإكراهات وتطوير أساليب العمل المعتمدة لضمان احترام قيم النزاهة والشفافية والتقيد بأخلاقيات المهنة الشرطية واعتماد مناهج العمل القائمة على احترام حقوق الإنسان، اسمحوا لي أن أعرض لبعض التدابير والإجراءات التنظيمية والتدبيرية وكذا البرامج المهيكلة التي اعتمدتها مصالح المديرية العامة للأمن الوطني والتي تروم، ضمن جملة أهداف أخرى، دعم وتحقيق أهداف النجاعة الأمنية والقضائية، من خلال توفير هياكل وبنيات ملائمة للقيام بإجراءات البحث الجنائي ودعم قدرات القائمين بها والوضع رهن إشارتها للوسائل والمعطيات التقنية والفنية التي تسمح لهم بمباشرة مهامهم بمهنية، وفق المعايير الحديثة للبحث والمسطرة.
فعلى مستوى رفع قدرات العمل الميداني لمصالح الشرطة القضائية، ومنذ أواخر سنة 2016، تم اعتماد برنامج شامل ومتكامل يروم تعميم فرق متخصصة لمكافحة العصابات الإجرامية، قوامه إحداث وحدات متخصصة مكونة من 170 من رجال ونساء الأمن، موزعين على أربعة فصائل مكونة من 40 من ضباط وأعوان الشرطة القضائية، مؤطرين من قبل باحثين-ضباط شرطة متمرسين في مجال البحث والمسطرة، تعمل حسب نظام التناوب على مدار اليوم والأسبوع 24/24س و7 أيام/7. هذه الفرق المتخصصة، التي أتت لتعزز نظيرتها المكلفة بالقضايا الجنائية الخطيرة وبمكافحة المخدرات ومعالجة القضايا الاقتصادية والمالية وغيرها إلى جانب الفرق والأقسام القضائية التي تمارس مهامها على أساس التقسيم الترابي، جنبا إلى جنب مع دوائر الشرطة. وقد شرع في هذا البرنامج، بإحداث فرق مكافحة العصابات الإجرامية بمدن سلا وفاس والرباط والدار البيضاء، قبل تعميم هذا النظام، خلال السنوات الخمس السابقة، ليشمل مجموع القيادات الأمنية اللاممركزة وعددها 21، قبل أن يمتد ليشمل بعض القيادات الجهوية الفرعية بإحداث فرق خاصة بالمنطقتين الإقليميتين لتمارة والناظور. وبعد تقييم التجارب الأولى لهذه الفرق المستحدثة ببعض التجمعات العمرانية الكبرى، وخاصة منها الدار البيضاء التي أحدثت بها 04 فرق متخصصة لمكافحة العصابات الإجرامية قوامها 600 شخص، تتطلع المديرية العامة للأمن الوطني إلى نقل هذه التجربة إلى باقي التجمعات العمرانية الكبرى، وخاصة منها فاس ومراكش وطنجة.
وفي سياق خلق بيئة مهنية وعملية تستجيب لمتطلبات البحث الجنائي في توفير المعلومات الجنائية اللازمة لتعميق عمليات البحث وتوجيهها وكذا تدقيق المعطيات المتوفرة بشأن القضايا المطروحة للبحث وكذا الأشخاص المشتبه فيهم، وخاصة المبحوث عنهم وأماكن تواجدهم وتحديد هويتهم بمختلف الوسائل الممكنة، تم إحداث 21 فرقة متخصصة في مجال الاستعلام الجنائي وفي التحليل الميداني للمعلومات الجنائية، إلى جانب مواكبة وتلبية حاجيات مختلف الفرق الأخرى المتخصصة في الحصول على المعطيات الهاتفية وتحليلها، توصلا إلى تحديد أماكن تواجد الأشخاص المشتبه فيهم وكذا شبكة العلاقات القائمة بين الأطراف، خاصة منها حالة المشتبه فيهم أو المبحوث عنهم العاملين في إطار شبكات أو مجموعات إجرامية منظمة. وهذه الفرق التي حلت محل الشعب االسابقة للتنسيق وتحليل المعلومات الجنائية، والتي تنتصب كوحدات او هيئات تقنية تتولى دعم الفرق الأخرى المتخصصة وتزويدها بالمعطيات وبوسائل الدعم التقني لأبحاثها، نجد نظيرا لها على مستوى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية ممثلة في المكتب الوطني لتحليل المعلومات والاستعلام الجنائي.
وفي سياق متصل، وحرصا على مواكبة متطلبات البحث الجنائي وجعل تكنولوجيات المعلوميات والاتصالات الحديثة في خدمة العدالة الجنائية، أولت المديرية العامة للأمن الوطني اهتماما خاصا لوسائل كشف الجرائم المرتبطة بالتكنولوجيات الحديثة، من خلال إحداث سبعة مختبرات لتحليل الآثار الرقمية بكل من ولايات أمن الدار البيضاء، والرباط، وفاس، والعيون، وتطوان ومراكش و كذا الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء، تتحدد مهامها في تحليل الأدلة الرقمية، واستقراء الدعامات الإلكترونية المستعملة في ارتكاب الجرائم، وتحليلها من منظور تقني، فضلا عن تقديم الدعم الميداني في كل ما يتصل بالجرائم الإلكترونية. وتنضاف هذه البنيات التقنية إلى إلمكتب الوطني لمكافحة الجريمة المعلوماتية والاستخبار الجنائي، المحدث بالفرقة الوطنية للشرطة القضائية، وإلى الفرق الجهوية لمحاربة الجرائم السيبريانية. وعددها 34 فرقة معززة بالموارد البشرية والمادية الضرورية لتحقيق الأهداف المحددة لها.
هذا ولا يمكن الحديث عن الاستثمار في التكنولوجيات الحديثة خدمة للعدالة الجنائية، دون استحضار بنيات وهياكل الشرطة التقنية والعلمية القائمة على إحداث وحدات متخصصة في عمليات مسرح الجريمة مكلفة بالمسح الدقيق لمكان الحادث بحثا عن الآثار الخفية لكشفها وإستغلالها وعن المعالم والآثار الظاهرة لإحرازها وتوجيهها إلى مصالح التشخيص القضائي وإلى المختبرات العلمية والتقنية للفحص والتحليل والموافاة بالنتيجة لتمكين ضباط الشرطة القضائية وكذا سلطات وهيئات العدالة الجنائية من استيضاح بعض القضايا التقنية التي تعترضهم اثناء البحث أو التحقيق أو المحاكمة. وهنا لا بد من التذكير بدور المختبرات الوطنية للشرطة التقنية والعلمية وما يتوفر عليه من معدات وتجهيزات تقنية بمواصفات حديثة وعالية المستوى، بما في ذلك مجموعة المعدات والتجهيزات عالية الدقة التي تعمل بالأشعة الطيفية والتي تسمح بالكشف عن التزوير بشتى أنواعه، وآليات جديدة لتحديد طبيعة الحبر المستعمل في الوثائق المزورة، فضلا عن آليات من الجيل الجديد لإجراء الخبرات الجينية تمكن من معالجة سريعة ودقيقة للقضايا المتوقفة على التشخيص بواسطة تحليل الحمض النووي.
ولن يكتمل هذا السرح التنظيمي والتقني وما يلازمه من رصد الإمكانات المادية والبشرية واللوجستية، دون الاستثمار في الموارد البشرية بوضع أنظمة خاصة واتخاذ إجراءات إدارية وتدبيرية لانتقاء وتوظيف الكفاءات في مختلف التخصصات العلمية والتقنية، مع إحداث فصول للتكوين الأساسي والمستمر، بما في ذلك التكوينات التخصصية المعدة رفع القدرات واكتساب الخبرات والمهارات في المجالات المستجدة، جنبا إلى جنب مع متطلبات ممارسة المهنة الشرطية التي تستلزم الخضوع للتاطير الأمني والإشراف الرئاسي لتلقي مباديء الانضباط والتجند الدائم للقيام بالمهام واحترام السر المهني والتزام القواعد والمبادئ الأساسية التي تعكس توجهات هذه المديرية العامة في التحلي بالمهنية واعتماد مبادئ الحوار والتفاعل الإيجابي القائم على المهنية وروح المسؤولية واحترام القوانين والأنظمة وأصول المهنة الشرطية وعدم الحياد عنها في أي حال من الأحوال.
أيها السيدات والسادة
وإذ نتوق إلى نتائج هذا اللقاء الرفيع المستوى، الذي يمكن أن يتبوأ مكانته كإطار للتنسيق والتعاون وتدارس القضايا المستشكلة، توصلا إلى ترصيد مكتسبات التعاون والتشاور والتنسيق من أجل تجاوز الصعوبات العملية ومأسسة الممارسات الجيدة ودعم جهود تنسيق وتعبئة الموارد والإمكانات المتاحة لتحقيق أهداف النجاعة القضائية والالتقائية في عمل مختلف السلطات المكلفة بالبحث والتحقيق والمتابعة، فإننا نتطلع إلى دعم واستدامة هذه الجهود الرامية إلى تحقيق نقلة نوعية في سبيل تحقيق أهداف العدالة الجنائية ودعم الإحساس بالعدالة والأمن والمحافظة على النظام العام، بما يساهم في رفع التحديات المحيطة وقطع الطريق على محترفي الاستغلال العشوائي للمسألة الحقوقية في بلادنا من انفصاليي الداخل والخارج وأصحاب الفكر العدمي الذين يقتاتون من الترويج للفكر العدمي وللأطروحات المناوئة التي تقوم على تبخيس عمل المؤسسات ومجهوداتها خدمة لأجنداتها الخاصة.
وإذ نثمن عاليا، ما نبذله جميعا في سبيل تعبئة الجهود والرفع من مستوى الأداء المهني في ظل الاحترام الدقيق للقوانين والأنظمة ولأخلاقيات العدالة الجنائية وأصول المهنة الشرطية، بروح من التفاني في خدمة الوطن والمواطنين ونكران الذات والتشبت بقيم النزاهة والاستقامة والموضوعية، في جميع الأحوال ، فإننا في مؤسسة الأمن الوطني واثقون من قدراتنا على مواجهة هذه التحديات بإصرار وثبات، بتضافر جهود الجميع لتدليل الصعوبات والعمل على إبراز وتثمين الانجازات المحققة في مجال الدود عن حقوق الإنسان وجعلها رافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، تحت القيادة السامية لمولانا صاحب الجلالة، الملك محمد السادس، نصره الله وأيده، الضامن لاحترام الحقوق وحريات الأفراد والهيئات، مصداقا لقوله تعالى:
“وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون”
صدق الله العظيم
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق