وسط جدل كبير بشأن سيرته.. دعوات لاستثمار التراث المادي لـ “الريسوني” لتنمية منطقته “سبت الزينات”
عبد الله أفتات
عادت شخصية أحمد الريسوني أو “بلريسول”، إلى واجهة الأحداث وسط المهتمين والباحثين بتاريخ شمال المغرب، وذلك في سياق إعلان جمعيات بمنطقة “سبت الزينات” القروية المحسوبة ترابيا على عمالة طنجة أصيلة، يوم الأحد 3 نونبر 2019 في ختام ندوة نظمت تحت سؤال “أي موقع للعالم القروي في النموذج التنموي الجديد؟”، عن إعدادها لكتيب يضم كل ما يتعلق بسيرة هذه الشخصية التي كانت تتخذ من جماعة “سبت الزينات” مقرا لحركته التي كانت تدير مساحة واسعة من شمال المغرب خلال مرحلة نهاية القرن 19 ومطلع القرن 20.
ورغم أن سيرة أحمد الريسوني تثير الكثير من الجدل بين الباحثين الذين تواصل موقع “لكم” معهم، لاعتبارات متعددة، أهمها مرتبط بتباين الرؤى حول حقيقة أدوار هذه الشخصية بمنطقة جبالة، بين من يعتبره مقاوم جاهد ضد المستعمر، وبين من يعتبر نهجه أقرب إلى اللصوصية والإقطاعية، وبين رأي ثالث يدعو إلى إعادة كتابة سيرة الريسوني من جديد، فإن تصريحات الباحثين الذي تحدثوا مع موقع “لكم”، (أسامة الزكاري، أحمد الزيداني، خالد طحطح، بالإضافة إلى عبد الحميد العباسي رئيس جماعة سبت الزينات) أجمعوا رغم اختلاف مواقفهم من هذه الشخصية، على أهمية وضرورة استثمار التراث المادي والمعالم التاريخية المرتبطة بأحمد الريسوني (قصبة الريسوني، الثكنة العسكرية الركايع، مدرسة الزينات..) لتنمية المنطقة وجعلها محطة جذب سياحي خاصة وأن الخصوصية الطبيعية مساعدة على ذلك (جبال، غابات، سد ابن بطوطة).
المواقع التاريخية الزيناتية
من أبرز المواقع التاريخية التي تعرفها المنطقة نجد “قصبة الريسوني” التي تعتبرمسقط رأس الريسوني في ستينيات القرن التاسع عشر، وقد تم الهجوم عليها وحرقها وتخريبها أكثر من مرة أحياناً من طرف المخزن العزيزي، وأحياناً من طرف القبائل المجاورة التي كانت في عداء مع بلريسول، وكما يقول المؤرخ عبد العزيز التمسماني خلوق، فإن استقرار الريسوني بالزينات كان ضرورة استراتيجية تؤمن استمرار أمنه في محيط معاد.
موقع القصبة اختير في مكان استراتيجي كان يسمح له بمراقبة تحركات خصومه في السهول المنخفضة أمامه، كما يسمح له في حالة الخطر بالهروب عبر الجبال في اتجاه القبائل المجاورة.
وحسب الباحث أحمد الزيداني فإن أهم حدث يبقى في تاريخ الزينات هو المؤتمر الذي عقد بهذه القصبة يوم 19 يونيو1908، والذي جمع قبائل جبالة والهبط وغمارة للنظر في الأوضاع المتدهورة بالمغرب، بسبب الصراع بين الأخوين عبد العزيز و عبد الحفيظ، والذي انتهى بمبايعة الأخير سلطاناً للمغرب.
هناك أيضا “مدرسة الزينات”، التي قال عنها الزيداني، أنه في منطقة الحماية الإسبانية، كانت مسؤولية التعليم بيد الجيش، فهو الذي يختص بإنشاء المدارس، ومن المعايير في بناء هذه المدارس، وجود عدد مهم للجالية الإسبانية، غير أن بناء مدرسة الزينات سنة 1931 في عهد الجمهورية الاسبانية، لم يكن يستوفي هذا الشرط، بل لقربها من المنطقة الدولية واحتياطاً لظهور قيادة جديدة، مثل أحمد الريسوني، تثور ضد الجيش الإسباني، كما جاء في الظهير الخليفي.
ثم هناك “الثكنة العسكرية الركايع”، التي تبعد بحوالي أربع كيلومترات من قصبة الريسوني، كانت تابعة لقيادة الجيش الإسباني بالعرائش، تأسست في موقع استراتيجي بين قبيلة الفحص وقبيلة بني مصور، لمراقبة الطرق الرابطة بين طنجة و تطوان وبين هذه الأخيرة والعرائش، و لمراقبة تهريب السلع والأسلحة من المنطقة الدولية.
وفي تعليقه على الثكنة، قال الباحث أحمد الزيداني إنها لعبت دوراً مهماً في كل العمليات العسكرية ضد المقاومة الشمالية حتى حدود 1927 وهي سنة إخضاع المنطقة للجيش الإسباني، كانت من بين آخر الثكنات التي سلمت للمغرب سنة 1959.
وتعرضت هذه الثكنة للإتلاف ولم يبقى في موقعها غير بعض أشجار الصفصاف.
هذا بالإضافة إلى “سوق الزينات”، الذي يقام بشكل أسبوعي كل يوم سبت، حيث يتميز حسب سكان المنطقة بجودة منتوجاته المعروضة من طرف سكان القبائل المجاورة، كاللحوم والخضروات والبقوليات… ويعود بنائه إلى ما بعد نهاية حرب الريف سنة 1927 حيث سيطرت السلطات الإسبانية على كل المنطقة الخاضعة لحمايتها، واتبعت سياسة المراقبين العسكريين بجميع االقبائل والمداشر، إذ نجد في هذا السوق مجموعة من المرافق الصغيرة الحجم، كمستوصف ومعتقل وإدارة تابعة لقيادة دار الشاوي، وكان مقر السوق يحيط به سور يؤرخ لحقبة زمنية ماضية تم هدمه وإخفاء معالمه.
الباحث الزيداني قال إن هذا السوق كان يقام يوم الجمعة، وكما هو معروف، يستحيل وجود سوق أسبوعي، على الأقل بالشمال، ينظم في هذا اليوم المهم بالنسبة للمسلمين، وهو ما اعتبره محاولة من سلطات الحماية مسح هوية سكان المنطقة، وهذا ما يتضح من كثرة الأضرحة بها.
تعريف تاريخي لمنطقة الزينات
حسب الباحث أحمد الزيداني المقيم بإسبانيا، فإن اسم الزينات ظهر لأول مرة في كتب التاريخ، في القرن الثامن عشر، حيث مرّ منها الرحالة الإسباني خورخي خوان، برفقة الرحالة المغربي السفير أحمد الغزال، مكلفا من طرف ملك إسبانيا كارلوس الثالث، لعقد اتفاقية سلام مع السلطان محمد بن عبد الله، ووصفها قائلاً: “وصلنا للزينات مساءاً، والتي تبعد عن طنجة بثلاثة فرسخات (الفرسخ: 5.76 كلم) بها جبال جميلة ومراعي كثيرة، يربي سكانها المواشي، وبها دواوير صغيرة”.
وأضاف الزيداني الذي اطلع على العديد من الوثائق التي تهم شخصية الريسوني بمكتبة العاصمة الإسبانية مدريد، فإن جماعة الزينات تنتمي لقبيلة الفحص بوصفها قبيلة للجيش الذي كان دائماً جاهزاً للدفاع عن حوزة الوطن والوقوف ضد الأطماع التوسعة للغزاة، فبالإضافة للعناصر البربرية التي استوطنت المنطقة، توافدت عناصر عربية، خاصة بعد طرد المسلمين من الأندلس، مشيرا إلى أنه وبعد تحرير طنجة من الاستعمار الإنجليزي نهاية القرن 17، استقرت العديد من الوحدات الريفية بالمنطقة، ورغم توافد قبائل المغرب الشرقي والمغرب الأوسط في القرن التاسع عشر نتيجة الاحتلال الفرنسي للجزائر لم يؤدي ذلك إلى حدوث تغيير جوهري في عناصر السكان، حيث تمتع الريفيون بنفوذ كبير عليها، أكثر من 85٪ من السكان، وهذا ما يظهر من خلال تسمية المداشر المكونة لهذه القبيلة، وكمثال على ذلك، جماعة الزينات، مدشر“قلعية” و “المرس”.
الزينات ارتبطت بالريسوني
اعتبر الزيداني في حديثه مع موقع “لكم”، أنه ومع بداية القرن العشرين، ارتبط اسم “الزينات” بأحد أبنائها الذي كان له دور كبير في تاريخ المغرب، إنه مولاي أحمد الريسوني، حيث تصدرت الزينات واجهات الصحف والمجلات العالمية من إسبانية وفرنسية وإنجليزية وأمريكية… أحياناً بسبب اختلافات الريسوني مع المخزن، الذي أرسل مْحلته ثلاث مرات لتدمير وحرق الزينات وملاحقة الريسوني، وأحياناً بسبب علاقة الأخير مع الأجانب، وخاصةً الإسبان.
وزاد المتحدث، أن المعروف عن الريسوني في هذه الفترة، أنه تجاهل مراسلات الروكي بوحمارة للانضمام إلى حركته المتمردة ضد السلطان، رغم اختلافاته مع سياسة المخرن العزيزي تجاه فرنسا، مبرزا أنه ومع تدخل الدول الاستعمارية في شؤون المغرب، ومطاردته من المخزن، لجأ الريسوني إلى اختطاف الأجانب كسياسة لوقف هذه الضغوط، وبذلك فرض على المخزن سنة 1904، تعيينه عاملا على الفحص، فبالإضافة لهذه القبيلة، حيث خضعت لسلطته “ودراس”، “أنجرة”، “جبل لحبيب”، “بني ايدر”، “بني عروس”، “بني مساور”، وبالطبع مدينة طنجة كجزء من قبيلة الفحص، لتكون المرة الأولى في تاريخ طنجة التي يتم قيادتها من مدشر صغير، بواسطة نائبه ابن منصور، فازدادت شكاوي ممثلي الدول الغربية لدى المسؤولين المغاربة.
وأكد الباحث على أن “الحقيقة هي أنه فرض الأمن من مدينة البوغاز إلى القصر الكبير ومنها إلى تطوان، وفي عهد المولى عبد الحفيظ وصلت سلطته القصر الكبير، فكان الحاكم الفعلي لكل قبائل جبالة، وكان يقول: شؤون جبالة يجب أن تحل بالزينات وليس بفاس العاصمة”.
الزينات.. عقدة جنرال اسباني مغرور
وقال الزيداني على أنه بعد عقد الحماية سنة 1912 بدأت إسبانيا انطلاقاً من العرائش في إخضاع القبائل الجبلية، لتجد أمامها الريسوني حجرة عثرة، استعصي على الجنرال سيلفيستري السيطرة على الوضع، حتى أصبحت السيطرة على الزينات، عقدة في حياة هذا الجنرال المغرور، فتدخل الملك الإسباني شخصياً في ملف احتلال الزينات، ووعد الجنرال بمساعدته في احتلالها بعيدا عن البروتوكولات السياسية المعارضة لسياسة الجيش، غير أن دخول الجيش الإسباني للزينات تم في فاتح ماي 1916 حينها كانت السلطات الإسبانية قد أبعدت سيلفيستري من المغرب، كشرط في عقد الهدنة، بينها وبين الريسوني.
الريسوني.. أول من كتب وثيقة للمطالبة بالاستقلال
عشيت نهاية الحرب العالمية الأولى، قدم الرئيس الأمريكي ويلسون، لدى الكونغرس بما يعرف بـ “مبادئ ويلسون” جاء في الفصل الخامس منها مايلي: “وضع إدارة عادلة للمستعمرات تنفذ ما يحقق مصالح سكانه”. حينها كانت علاقة الريسوني مع الإسبان، بعد عودة عدوه الأول الجنرال سيلفيستري كقائد عام لسبتة، بدأت تسوء، فكتب رسالة للرئيس الأمريكي في ماي من سنة 1919 يشكو فيها ظلم الاستعمار، ويطلب منه مساعدة الشعب المغربي للخروج من أزمته، لتكون بذلك أول وثيقة للمطالبة بالاستقلال عرفها المغرب في القرن الماضي، حسب الباحث الزيداني.
ذكاء الريسوني و تهمة الخيانة
وبهذا الخصوص اعتبر أحمد الزيداني على أن تاريخ الرجل مازال يحتاج إلى دراسة معمقة للوثائق الخاصة بالمنطقة، مشيرا في تصريح لموقع “لكم” أن المؤرخون الإسبان الذين عايشوا فترة الريسوني يجمعون على ذكائه حتى الذين كانوا يرونه مجرد مغامر.
واستشهد المتحدث بما قاله “طوماس غارسيا فيغيراس” في كتابه “المغرب”، ومما داء فيه أن الريسوني كان “ذكياً جدا، سياسي خاص، يعرف جيداً المحيطين به، كما أنه يمتلك الوسائل الخاصة المتطلبة في الحاكم الجيد، له رؤية واضحة حول السياسة الدولية والعالم الإسلامي، أما بخصوص المغرب فكان يطمح لأن يراه حراً ومستقل عن الحماية الأجنبية”، وبما قاله أيضا “إسحاق مونييز” في كتابه ( في أرض جبالة 1913) بأنه: “روح الثورة ضد الإسبان”.
وأعتبر الباحث على أن كل من صنف الرجل كخائن، رجع بالأساس لاحتلال الجيش الإسباني لمدينتي العرائش والقصر الكبير و”مساهمة” الريسوني، مشيرا لدور فرنسا في هذا الإدعاء، التي اعتبرت احتلال المدينتين خسارة لها، فسخرت الصحفي الإنجليزي والتر هاريس لتشويه صورة الريسوني.
وفي هذا الصدد، أوضح الزيداني الذي اطلع على العديد من الوثائق الإسبانية بهذا الخصوص، أنه بعد أن احتلت فرنسا مدينتي القنيطرة وسلا في 23 و27 أبريل سنة 1908ومن بعدها فاس يوم 25 ماي، كان دخول الجيش الإسباني لمدينة العرائش تحت إشراف مباشر من رئيس حكومة هذا البلد في سرية تامة، دون علم باقي أعضاء حكومته، فمن المستحيل أن يكون الريسوني على علم بذلك. كما أن الأخير ومعه المخزن لم يكونا يتوفران على وسائل لمنع هذا الإنزال.
وواصل الباحث توضيحاته قائلا إن مدينتي العرائش والقصر الكبير لم تكونا تحت نفوذ وسلطة الريسوني، فمن المعروف أنه كان باشا أصيلة، كما أن الرسالة التي وجهها الريسوني، لمندوب السلطان بطنجة يوم 27 شعبان 1331 الموافق ل 31/07/1913، توضح أنه كان ينفذ أوامر المخزن بعدم التدخل ضد الجيش الإسباني ومما جاء فيها: “.. لما قامت إسبانيا باحتلال مدينتي العرائش و القصر الكبير كان ذلك بالنسبة لي مفاجأة كبيرة، فوجهت لك رسالة أخبرك فيها بتفاصيل الوقائع وفي نفس الوقت كاتبت رجال المخزن بفاس.. وكان الجواب الذي توصلت به من عند رجال المخزن آنذاك بأنه يتعين علي أن أتصرف بما تقتضيه القاعدة المخزنية المعهودة، حتى لا يترتب على ذلك الاحتلال الإسباني أي تغيير في وضعية البلاد، وأَوصيت بمعاملة الإسبان معاملة حسنة حتى تتم المفاوضات الجارية بين المخزن و إسبانيا، وأمرت أن أخبرك بكل ما يصدر عن جيش الاحتلال من تصرفات.. ”
ليختم الزيداني ، من خلال هذه الرسالة، قائلا إنه يبدوا أن من الأولى تقييم دور المسؤولين بدار النيابة بطنجة وباقي خدام المخزن في بداية الحماية، بدل التركيز على توجيه الاتهام بالخيانة للريسوني الذي يبدو أنه كان مجرد باشا تابع للمخزن.
صفحات التاريخ تظل مفتوحة أيضا في وجه الطغاة
من جهته أكد أسامة الزكاري الباحث في التاريخ، على أن الكثير من شواهد الريسوني تحمل آلام الماضي وجراحه المرتبطة بما يصفه البعض بطغيان الريسوني وبجبروته وبظلمه، ومع ذلك، فالمخلفات الأثرية تظل ذات قيمة إنسانية كبرى بغض النظر عن حمولاتها المواقفية.
واعتبر الزكاري في حديثه مع موقع “لكم”، أن التاريخ لا يكتبه الأبطال فقط، ولكن صفحاته تبقى مفتوحة أمام طغاته. مستحضرا، استغلال الدول الأوربية التي تعرضت للاحتلال النازي الألماني خلال الحرب العالمية الثانية لمعسكرات الاعتقال النازية ولغرف الغاز، من أجل تحويلها إلى مواقع سياحية قابلة للاستثمار الثقافي والاقتصادي المنتج والمدر للدخل المادي ولعناصر حفظ الذاكرة الجماعية للمناطق المعنية.
مصالحة مع ذاكرة الريسوني
ومن هذا المنطلق، يضيف المتحدث، يمكن أن نتصالح مع ذاكرة المكان ومع ذاكرة الريسوني، بعيدا عن أي منطق انتقامي متحامل، وعن أي أحكام عاطفية مفرطة في الدفاع عن الصورة الجهادية المفترضة للريسوني، بشكل نستطيع معه تحويل صورة الرجل إلى عنصر داعم لجهود استثمار خصوبة المجال والمخلفات الأثرية لتحقيق التنمية الاقتصادية والمجالية المنطقة.
وأكد الزكاري على أنه من الواجب الانتقال لاستثمار شواهد الحركة الريسونية للإسهام في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمنطقة، مشيرا إلى أن هذا الأمر يزداد أهمية، إذا أخذنا بعين الاعتبار القيمة التاريخية للكثير من المواقع الأثرية المرتبطة بتجربة أحمد الريسوني بمنطقة جبالة، وخاصة بمنطقة سبت الزينات، المركز الرئيسي لحركته، وكذلك بمدينة أصيلا، حيث يوجد قصره الشهير الذي أصبح يسمى-اليوم- بقصر الثقافة.
ودعا الباحث إلى إعادة تقييم أدوار الريسوني بمنطقة جبالة من موقعه كقائد مخزني استغل استفحال الأزمات البنيوية للدولة المغربية من أجل ممارسة أقصى درجات الابتزاز في حق الدولة والمجتمع، مؤكدا على أن العودة لتحيين جوانب التعامل مع الموضوع، أضحت تقتضي تجاوز منطق السؤال المركب: من مع الرجل؟ ومن ضده؟ وهل الريسوني مجاهد أم خائن؟ وعلى أساس ذاك، أصبح من الواجب إحالة الموضوع برمته على المؤرخين قصد مقاربته بعيدا عن كل أشكال الضغوط النفسية والعاطفية والمواقفية الجاهزة والمستنسخة.
أحيانا يتم الحكم على الشخصيات بطريقة سطحية
من جانبه اعتبر الباحث خالد طحطح أنه، غالبا، ما يتم الحكم على الشخصيات بطريقة ساذجة وسطحية، حيث لا يتم استحضار السياق التاريخي للوقائع والأحداث، فنقع في القراءات التمجيدية أو العكس، داعيا في هذا الصدد، إلى الوقوف على عصر الريسوني وبيئته والمؤثرات التي أحاطت به، لفهم خلفية مواقفه وتصرفاته.
وفي نظر الباحث طحطح فإن الريسوني لا يخرج بالنظر للفترة التي عايشها عن الزعماء المحليين التقليديين، الذين تتسم شخصيتهم بالقسوة الشديدة والجبروت والطغيان اتجاه خصومهم ومنافسيهم في الداخل، حيث الغدر والعنف والسلب والانتقام وحرق المنازل والتنكيل، وقد تخف هذه القسوة حينما يتعلق الأمر بالأجانب سواء كانوا أسرى أو رهائن.
وأكد طحطح على أن شخصية الريسوني هي أقرب إلى صورة الأعيان الذين سعوا لتعزيز سلطتهم ودحر كل من يعارضهم أو يقف في وجه طموحاتهم السياسية وهيمنتهم في المجال الذي ينتمون إليه، فهم مستعدون لمواجهة السلطة المركزية في سبيل ذلك، دون التقيد بمفاهيم تقليدية من قبيل: البيعة والفتنة والخروج عن الحاكم.
وأشار المتحدث إلى أن القارئ قد يجد نفسه أحيانا مع كتابات تسقط في محظور المفارقة التاريخية، حيث الاسقاطات والنظر الى النصف الأول من القرن التاسع عشر بعيون مفاهيم النصف الثاني من القرن العشرين، أن يتم الحديث عن الريسوني باعتباره صاحب رؤية وتصور أو زعيم مقاومة بمفهوم الحركة الوطنية على سبيل المثال أو بمفهوم محمد بن عبد الكريم الخطابي فهذا أمر غير سليم تماما، ولا وجه للمقارنة بينهما حين نستحضر تطورات الأحداث، مؤكدا على أن الريسوني أقرب ما يكون إلى بعض زعماء الأطلس الكبير الذين يتلونون حينما يتعلق الأمر بمصالحهم الشخصية، فقد تجدهم يرفعون شعار الجهاد أحيانا وفي أحيان أخرى قد يتحالفون مع الأجنبي ويعقدون معه تفاهمات للحفاظ على مجال تواجدهم، ولذلك فقد كانت نتيجته مأساوية بسبب دخوله الصراع ضد الأمير محمد بن عبد الكبير الخطابي.
شخصية الريسوني في حاجة إلى إعادة كتابتها
وبالنسبة لـخالد طحطح فإن شخصية الريسوني أو الريسولي تحتاج لإعادة كتابة سيرتها من جديد، دون التأثر بتاريخ الأسرة الحالي ولا ببداياتها الأولى حين شارك الأجداد في معركة واد المخازن، كما يجب التحرر من الكتابة تحت الطلب، أو اعتمادا على وثائق الأسرة فقط، وهناك محاولات أنجزت في هذا الإطار، حيث البيوغرافيا غدت طريقة لكتابة التاريخ، وإن كان الأجانب قد كتبوا عن هذه الشخصية انطلاقا من شهاداتهم والوثائق التي بين أيديهم، فإن الباحثين المغاربة يحاولون التعامل اليوم بحيادية أكبر، من خلال وضع الشخص في سياقه والابتعاد عن منطق التخوين والتمجيد، من خلال تبيان المنعطفات والتحولات في سيرة الشخصيات، التي تخضع لقراءات مختلفة لكن باحترام قواعد البحث التاريخي واستحضار كل الشواهد، وبالنسبة لشخصية الريسوني فالشواهد موجودة ومتعددة وكثيرة جدا، باعتبار الفترة الزمنية التي ينتمي إليها .
واعتبر خالد طحطح أن شخصية الريسوني تصلح لأعمال فنية، فالروائيين مطالبين بفتح سيرته وتوظيف الخيال القريب من الواقع لأجل الإحاطة بالأسئلة التي لا يستطيع المؤرخ الإجابة عنها، لأنه مقيد، كما أن هذه الشخصية مناسبة للأعمال السينمائية، ويمكن عبر السينما إثارة الأسئلة الحارقة والتجديف وانتهاك القيود”.
موقف جماعة “سبت الزينات”
من جانبه طالب عبد الحميد العباسي ، رئيس جماعة “سبت الزينات”، إلى فتح نقاش مفتوح حول هذا الموضوع، مع جميع الفعاليات والجمعيات المهتمة بالموضوع وبالقطاعات والمصالح الخارجية ومع مغاربة العالم من أصول زيناتية.
واقترح العباسي في تصريح لموقع “لكم”، وضع بوابة إلكترونية تسطر وفق مقاربة شمولية عامة ومندمجة لشخصية الريسوني قصد استثمارها وإدماجها في البعد التنموي للجماعة من أجل الدفع بعجلة التنمية المحلية نحو الأمام ودمجها في محيطها السياحي عبر نافذة التعريف بتاريخ منطقة الزينات بشكل عام وشخصية أحمد الريسوني بشكل خاص، معتبرا أن الأمة التي لا تهتم بماضيها وتاريخيها ورجالاتها هي أمة فاشلة.
وقال رئيس الجماعة القروية التي تعتبر من أفقر الجماعات القروية بالمغرب، أنه يعبر عن هذا الموقف رغم الروايات المتضاربة أحيانا، والمتناقضة في أحايين كثيرة حول أحمد الريسوني، ورغم قلة بل شح المعطيات والمخطوطات التي كتبت عن هذا الشخص، ورغم صعوبة تصديق حكايات الأجداد وبعض معمري “سبت الزينات” وعدم تقبلها، مستدركا إلا أن الريسوني يبقى من أهم الرجالات الذين مروا واستولوا وأقاموا منشآت تاريخية بمنطقة سبت الزينات بل وتركوا مآثر تاريخية لا زال آثارها لحد الساعة.
ورغم أنها أطلال وجدران صامتة، يقول العباسي، إلا أن هذه المآثر تعبر عن حقبة تاريخية مهمة نشأت منذ الاستعمار يتوجب علينا كمجلس منتخب استثمارها والعمل على تثمينها عبر مزارات سياحية أو استكشافات تاريخية لهذه المعلمة على الأقل لاستفزاز الذاكرة الزناتية علها تبوح لنا بأسرار وكوليس إقامة الريسوني بمنطقة سبت الزينات ما دام هناك شبه تحفظ من المقربين وإصرارعلى عدم كشف الحقيقة حتى من طرف من عاشروه.
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق