جاري التحميل الآن

أخشى على أُنوثتي منها…

 

 

لمياء.أ.و.الدويهي.لبنان.

منذُ أن وَعيتُ على الدُّنيا وأنا أُنمِّي ذاتي وأبحثُ عن شخصي لأتفرَّدَ بما أَحملُ من ميزاتٍ تَجعَلُني أنا… وَوعيتُ قيمةَ أن تُبرِزَ المرأةُ جَمالَها وأن يكونَ لها خطٌّ خاصٌّ يُميِّزُها عن الأُخريات، يَليقُ بها، يُشبِهُها، يُعلِنُ عن حُضورِها، يُميِّزُ إطلالَتها فتفوح بعبيرِها الخاص المَشغول من أريجِ فكرِها وقلبِها المُنعكسَين في تلكَ الطلَّةِ الفريدة الحَقيقيّة الخاصَّة التي تجعلُها امرأةً بينَ النِّساء… والمُنافسة الطبيعيَّة المُثيرة بين معشرِ النِّساء تتجلَّى في كيفَ تَصيغُ المرأةُ هذه الطلَّة، لتقولَ بقوَّةِ حُضورِها: «أنا هنا»…
وما أجملَ أن تكونَ المرأةُ امرأةً أنيقةً حقيقيَّةً جديرةً بإشعاعِاتِ تلكَ الأنوثة التي ما انفكَّت تُنادي الرَّجل، رَجُلَها…
وبات اليوم لكُلِّ امرأةٍ طلَّةٌ ومع تطوُّرِ وسائل التَّجميل، لم يَعد هناك من خَوفٍ ألَّا يَسطَعَ جمالُ المرأة ويُنافِسَ جَمال الأخريات بالشَّكلِ الخارجي، وعن جدارة…
بتنَ جميعُهنَّ مَسكوباتٍ بقوالبَ «خاصَّة» جميلة، باهِرة تفوَّقت على معامل الباربي، وباتَت المقياسِ الأوَّل لِقوام المرأة… والتغنِّي بالثَّقافةِ على أوجِهِ: «لا جمال من دون الجمال الدَّاخلي» و«لا اكتِمال من دونِ الثَّقافة»، إلخ… كُلُّ هذا لأمرٌ رائع، مُريح، مُبهر، مُرتَقب، مُشتهى… ولكن… تَقعُ المُصيبة عندما تغدو الكماليَّات أساسيَّات وأهدافًا نَسعى إليها وكأنَّها جَوهرُ الحَياة، والشَّرط الأوَّل والأهمّ لتلاقي الشَّريكَين… ويأتي الاكتِشاف الحَقيقي لما يَحملُهُ الآخر في سياقِ اللقاء والذي قد يَصدُم ويؤدِّي إلى تداعياتٍ تؤذي، تُهين، تُدمِّر، تُشوِّه، تُنهي علاقات… وكأنَّ لا ثقةَ بالنَّفس من دونِ تلكَ الكماليَّات التي كانت تُضفي نكهةً جماليَّة وتحوَّلت إلى مَظاهرَ مُصطنعةٍ لا قيمةَ للمرأةِ أو حتَّى للرَّجلِ من دونِها…
وتلك التي تختارُ أن تكونَ طبيعيَّةً أو تتحلَّى بطبيعيَّةٍ ما، تغدو وكأنَّها باهِتةٌ وبلا لونٍ أو هويَّةٍ جماليَّة، أو كأنَّها لا تعرفُ أن تبرزَ أنوثتها أو كأنَّ الجمالَ لا يُبرَزُ إلاَّ من خلالِ مساحيقِ التّجميل والعمليَّات الجراحيّة التي تجعلُ الجمالَ اليوم مُوحَّدًا وعلى نمطٍ واحد؛ والتي تُحافظُ على ما منحها الله من تكوين، تُصبحُ وكأنَّها آتية من الفضاءِ الخارجي… فأُسِرَ الجمالُ بخاناتٍ مِزاجيَّة لا نعرفُ كم من الزَّمنِ ستَدوم… وهذا المنطق المعكوس، جعل النِّساء، بإرادتهنَّ أو بدونِ إرادتهنَّ يدخُلنَ في مُنافسة، يُحاسَبْنَ عليها من دونِ علمهنَّ، والأبشع أنَّ المُنافسةَ لم تَعُدْ بين امرأَةٍ وأخرى، بل بين المرأةِ وذاتِها لأنَّهُ وللأسف، متى تكلَّم الجمال سكتَ الباقي، الأمر الذي يَستفزُّ المراةَ الحقيقيَّة التي تُريدُ أن تُظهرَ جَوهَرَ عُمقِها وأن تُقدَّرَ لما هي عليه من صِفات وليس لمقاييسِ جَمالِها الذي إن كان عاديًّا أو ليس على مِقياس «ريختر» الجماليّ العالميّ الذي يُخوِّلُها ولوجَ أهمّ المُسابقات العالميَّة للجمال لا يَفي بالغَرض، والأخطرُ أنَّ البعضَ من النِّساء بِتنَ مُقتنعات أنهنَّ فقط مُهماتٌ بسببِ هذه المَقاييس التي وَجبَ عليهنَّ بلوغُها «مهما كان الثَّمن» ليكونَ سلاحهنَّ فتَّاكًا، لا يَنجو منهُ أحد…
أُنوثتي، أنتِ انعِكاسٌ لي… جمالي، أنتَ ميزَتي ونعمةٌ وهبني إيَّاها الله، أحافظُ عليها لأنَّها جزءٌ من صحَّتي… كَياني، أنتَ تَحوي الكُلُّ وأنتَ كُلِّي… وأعتذرُ من هذا الكلُّ الذي يَطغى على فكرِ الآخرين فقط بالقالَب، وتُنسى القيمة الحقيقيَّة للمرأة، تلكَ التي تعرفُ أن تُحبّ، تلكَ التي تعرفُ قيمة التَّضحية بهدفِ إسعاد عائلتِها، تلك التي تَصبِرُ على المُحبّ لأنَّها تعرفُ كيفَ تُحب، تلك التي تُوجِّهُ إلى الحَق لأنَّها أم، تلكَ التي تؤنِّبُ الخطأ بهدفِ بُنيانِ الإنسان، تلكَ التي تُعطي الحَياة من بعدِ الولادة لأنَّها تعرفُ الخالق، تلكَ التي تُجاهِرُ بالقيَم وتَبُثُّها في مُجتمَعِها لتُغنيَهُ، تلكَ الواثقة بما يَفيضُ من إيمانِها لأنَّهُ يُضيءُ وجهها ويَنجلي في عَينَيها، أنوارَ حُبٍّ وعطاء…
أُحبُّكَ يا جمال وتَروقُني نَظراتُ الإعجاب التي تُقدِّرُكَ، ولكن بالإذنِ منكَ أَخافُ على المرأةِ التي بداخلي أن تَتوارى وراءَكَ، لأنَّ مَقايسَ الفكرِ والتَّقييم انحَرَفَت عن مَسارِها، فليتني أستطيعُ فقط إظهارَك لمَن أَيقنَ أنَّك تَتوهَّجُ بفعلِ تلكَ المرأة التي تَحوي أكثرَ بكثير ممَّا توحي بهِ أنتَ، لكنَّك بارعٌ في لفتِ الانتِباهِ إليك، فبتُ أخشى أن يتمَّ فصلي عن ذاتي لقِصَرِ النَّظر الباطني لدى الأغلبيَّة، فصرتَ كما السِّلاح، أُخفيهِ حينًا وأُجاهِرُ بهِ أَحيانًا بما يَليق وكما يَليق، احترامًا للكُلِّ في الكُلِّ…
٦ /١ /٢٠١٧

شارك هذا المحتوى:

إرسال التعليق

ربما فاتك