اقليم اسفي جماعة لمعاشات: انطلاق موسم سيدي احساين مول الباب( دور رجراجة) و الآراء تختلف و تتفق حول الظاهرة
المتابعة حكيم السعودي
حسب تصريح استاذ مادة الاجتماعيات و ابن المنطقة السيد محمد ولد الصوبة “رتنانة هي إحدى مشيخات المملكة المغربية، تتبع جغرافيا لإقليم آسفي وإداريا للمعاشات، و يقدر عدد سكانها بـ 3995 نسمة حسب الإحصاء الرسمي للسكان والسكنى ، وتقع زاوية رتنانة على مصب نهر تانسيفت وتبعد عن مدينة أسفي بحوالي 40 كيلومتر وعن مدينة الصويرية القديمة بحوالي 6 كلمترات تقريبا ،وتضم زاوية رثنانة عدة اضرحة منهم:سيدي بوخابية/سيدي حساين مول الباب/سيدي بن قاسم.
و اضاف المصدر، ان سيدي حساين مول الباب كان يقصد به الباب لأنه كان يحرص على الحدود الرجراجية التي كانت تحدد بواد تنسيفت بابها البري والبحري ويحرص كذلك مدينة رباط اكوز أو أجوز أي الصويرية القديمة الان التي كانت وقتها هي العاصمة والمدينة الاقتصادية والقديمة لرجراجة فالرباط المدشن هناك تقريبا في سنة 42 هجرية على أحد الأمويين المبعوث من الصحابي عقبة بن نافع الفهري رحمه الله حسبما ماهو مؤرخ. كما ان سيدي أحساين والمتوفى في سنة 305 هجرية هو الحسين ابن ابو زيد عبدالرحمان دفين شيشاوة توفي في سنة 241 هجرية بن إلياس وآيت الياس المتوفي في سنة 195 هجرية فهو ابن عيسى بو خابية المتوفي سنة 111 هجرية.
ما اشتهر به ساكنة منطقة سيدي احساين:ّ
– نبدا نمجد يا لحباب
– في سيدي حساين مول الباب
– يجوه صغار وشياب
– ولعيالات هوما الكثرا
و حسب بعض الموؤلفات و الرويات ، ان قبائل الشياظمة هم خليط من العرب دخلوا شمال أفريقيا في عهد الدولة الحفصية بتونس. وأغلبهم من بني هلال وحمير وبني معقل اليمنيين، اختارهم الملك الموحدي لقتال قبيلة “رجراجة” الذين رفضوا الدخول في بيعة الموحدين وسلطتهم، رغم أنهم من أصول واحدة، والسبب أنهم رفضوا مذهب محمد بن تومرت وتشبثوا بمذهبهم المالكي حسب بعض الدراسات التاريخية. و قد استضافت قبيلة رجراجة عقبة بن نافع وفرسانه بمنطقة “رباط أكوز” (مصب تانسيفت) أي قرية الصويرية القديمة” حاليا وفي هذه البقعة الأرضية بالضبط وضع عقبة بن نافع قوائم فرسه في البحر وقال: “والله لو كنت أعلم ما وراء هذا البحر لخضت إليه مجاهد، لقد تمددت قبيلة “رجراجة” بفضل زواياها الدينية في المنطقة، واعتمدت في ذلك على الزكاة والأعشار والهبات، و أصبحت زواياها مشهورة و محجا لطلاب العلم من كل الآفاق، و اعتبرت ذات الدعوة السليمة والصحيحة للإسلام.
و كما قيل في بعض المؤلفات ان اصل رجراجة من سبعة رجال ونسب الرجال السبعة يرجع الى اربعة رجال وردوا على المغرب من الشرق بعد ان رفع الله عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله عليه السلام وهم كما قيل والله اعلم بالصواب ، من الطائفة المومنة بالله نعني بذلك حواريين عيسى ابن مريم ،وبعد وصولهم للمغرب الاقصى نزلوا بمكان يسمى أكوز على جنوب واد تانسيفت على شاطئ البحر المحيط حيث الرباطات والمساجد متعددة هناك ، وأسماء “السبعة رجال” هم ( والده سيدي بوبكر الشماس ،سيدي عيسى أبو خابية، وسيدي عبد الله أدناس، وسيدي صالح ، و سيدي واسمين ، بالإضافة إلى سيدي سعيد بن يبقى الملقب بالسابق ، ثم سيدي يعلى بن واطيل)، و يتضح ان هذه الأسماء العربية ذات أصول أمازيغية من قبيلة “رجراجة” التي تنتمي بدورها إلى القبيلة الأم وهي قبيلة مصمودة.
وظهر أحفاد الحواريين في المغرب تحت مسمى ” رجراجة الأحرار ” و مارسوا تقاليدهم الموروثة عن أجدادهم لأنها لا تخالف الشريعة الإسلامية. أولا موسم ” الدور ” و هو احتفال قديم بآلاف السنين قال فيه الله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) ) سورة ابراهيم .و تقدر هذه الأيام ب 39 يوما و 40 ليلة و هي عدد أيام ميقات موسى عليه السلام و هي بداية أول أيام فصل الربيع إذ كانت بعد غرق فرعون و نجاة بني إسرائيل. و قد كان بنوا إسرائيل يصومون في هذه المناسبة احتفالا بنجاتهم و غرق فرعون. و قد صام الحواريون بطلب من سيدنا عيسى عليه السلام و لما أتموا صيامهم سألوا المسيح أن يسأل الله أن ينزل عليهم مائدة من السماء : (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ ۖ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (112) قَالُوا نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113). ) سورة المائدة.
والآية صريحة جدا أن الحواريين هم الشهود الوحيدون على نزول المائدة، أما غيرهم من المسيحيين المثلثين فلا ذكر لها عندهم . و رجراجة أحفاد الحواريين يخلدون هذه الشهادة بإقامة ” قصعة رجراجة ” التي لا تكون إلا في هذه الأيام بالضبط و ليس في غيرها. و هي عيد لهم مصداقا لقول الله تعالى : ( قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ ۖ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) سورة المائدة.
قال الطبري في تفسيره : (وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن نبيه عيسى صلى الله عليه وسلم، أنه أجاب القوم إلى ما سألوا من مسألة ربه مائدةً تنـزل عليهم من السماء.ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ” تكون لنا عيدًا لأولنا وآخرنا “. فقال بعضهم: معناه: نتخذ اليومَ الذي نـزلت فيه عيدًا نُعَظِّمه نحن ومن بعدَنا
موسم راجراجة أو ما يعرف محليا بالدور، هو موسم سنوي يقام بقبائل الشياظمة، ويستمر حوالي تسعة و ثلاثين يوما، عبر محطات، فترة يحج خلالها أفراد ومقدمي الطائفة الرجراجية إلى مختلف زوايا وأضرحة الإقليم، بالتوازي مع توافد الزوار وإقامة أسواق تجارية وتظاهرات ترفيهية. ويعتقد أن أصل الحدث يبدأ من قصة سبعة رجال من المغرب قد زاروا النبي محمد في مكة، فأعلنوا إسلامهم ثم عادوا إلى ديارهم مكلفين بنشر الدين الجديد.
وقد كان الدور من جملة ما اتبعوه في منهجيتهم ليحافظوا على تماسكهم، فمن جهة كان الدور عبارة عن تزاور فيما بينهم، ومن جهة أخرى، كان تجديدا للعهد بينهم وبين القبائل التي استجابت لدعوتهم. ثم طغى الطابع الاحتفالي فيما بعد على موسم رجراجة، ليتحول بشكل تلقائي من مجرد ظاهرة دينية روحية إلى مهرجان ثقافي يشتمل على العديد من النشاطات الاقتصادية والاحتفالية إلى جانب غرضه الأصلي.
يتجلى في موسم رجراجة أو ما يعرف بالدور، والذي يعتبر أطول مهرجان بربوع المملكة، دأبت ساكنة المنطقة على تنظيمه لعصور خلت، وما زال صداه يتردد سواء لدى زواره من داخل المغرب أو خارجه. ولعل هذا كان السبب الأبرز في إثارة اهتمام مجموعة من الباحثين مغاربة وأجانب، بمختلف تجلياته وأطواره وحمولاته المتعددة.
يبدأ خروج الدور بحدث طقوسي ومسحة رمزية ، حيث يمتطي مقدم زاوية سيدي احساين فرسا مرتديا جلبابا أبيضا وسلهاما، فينطلق مع وفد من الزاوية حيث يتواجد ضريح شيخ ركراكة سيدي احساين، مصاحبا مختلف محطات الدور. وقد جرت العادة قديما أن ينادي مناد في السوق الذي يقام بالمنطقة: «أن الدور عامر يوم كذا……» ويسمى يوم الصفية الذي لابد فيه من حضور المقدم أو نائب عنه في أول دور. وفي المساء نفسه، تأتي الطائفة فيبيت أفرادها في المسجد. في حين أن التجار وأصحاب الحرف، قد جهزوا قياطينهم مستعدين لاستهداف رواج اليوم الموالي بسلعهم وخدماتهم، بعضهم آملين رزقا مصحوبا ببركات روحانية.
واليوم الموالي الذي هو يوم الدور يتوافد الزوار بفرح وزينة، أما أفراد الطائفة الرجراجية ومقدميها فيلتقون بالضريح، فيرددون على بابه بعض الأذكار وينادون بأزجال ملحونة موروثة عن أسلافهم.
وتبتدئ مراسيم الزيارة قبل الظهر، فتزور القبائل مصحوبة ببعض المسؤولين المحليين، ثم يزور الرجراجيون عند بعضهم، ويبدؤون بالدعاء للمقدمين، فأعيان الزوايا، فجميع من طلب الدعاء، وفي البدء والختام يكون الدعاء شاملا لسلطان البلاد. ويستمر حدث الدور ليومين بالجماعة قبل أن ينتقل في اليوم الاخير إلى زاوية اخرى حسب الترتيب ، حيث ينظم حفل كبير بالتوازي مع طقوس رجراجة، فيتوافد إليه الكثير من التجار والزوار، فتقام أنشطة ترفيهية تتمثل في التبوريدة، وفن الحلقة، وحفلات غنائية وغيرها.
واعتادت قبائل رجراجة على إحياء سنة التواصل الروحي والاجتماعي والاقتصادي و الاحتفاء واستحضار موروتهم الشعبي وعاداتهم وطقوسهم وتقاليدهم التي ألفوا إقامتها كل سنة في فصل الربيع بعد خروج الليالي بثلاثة عشر زاوية لمدة تسعة و ثلاثين يوما حسب تصريح محمد ولد الصوبة المعلمة التاريخية بالمنطقة، و يدوم الاحتفال ثلاثة ايام بكل زاوية ، حيث يتم استقبال شيوخ الزوايا و والمرافقين لهم و اطعامهم ، و تنصب خيمة منسوجة من وبر الجمال ، و تهدم في اليوم الثالث لتنصب في زاوية اخرى و هكذا دواليك الى اليوم التاسع و الثلاثين، محافظين على العادات و التقاليد.
“واسمع الراجل واسمعي يا لمرا
انتوما رجراجة لحرار
تحكموا في الغذار
موالين الخيمة الحمرا
فتاحين المغرب
يجيكم كل حبيب
يقضي غارضو بخطرا”
ومن أعراف موسم رجراجة أن الزوار يتكرمون على الطائفة الرجراجية بما يسمى «الزيارة» أو وتتمثل في بعض النقود، والتي توضع في صندوق يتخذ مكانه تحت العمود الأوسط للخيمة، حيث يجلس مقدمي الزوايا الرجراجية، وكذا يتم تقديم قوالب السكر أو الذبائح. كل يعبر عن كرمه قدر إمكانه،ويعتقد الزائرون أن في الزيارة نيل للبركة والأدعية المستجابة وقضاء الحاجات. ولقد دأب أهالي القبائل على إطعام الرجراجيين حين يحلون ضيوفا بقبائلهم، كشكل من أشكال الإكرام وعربونا على الفرح، فبدور سيدي احساين يتقدم الناس إلى الضريح حاملين فوق رؤوسهم أواني الطعام، فيما يعرف بالقصعة، وهي قصعات من الكسكس مزينة بـــالبيض المسلوق والجوز وبعض الحلويات، ومقببة بالخضر واللحم. وينتهي الجمع عادة في كل دور، بالدعاء للزائرين والحضور، ويخصص قسم من الدعاء للسلطان، ثم يتم تقسيم الفتوحات وإسقاط الخيمة في جو احتفالي طقوسي تغمره بعض الروحانيات.
و حسب تصريح السيد محمد ولد الصوبة ،من عادة الرجراجيين أنهم أثناء تقسيم الفتوحات المتجمعة خلال أدوارهم، لا يعطون إلا للحاضرين، وليس للغائب شيء، وليس له الحق بالمطالبة، وتوزع هذه الفتوحات في ثلاثة عشر دورا، وتقسم الفتوحات على أربعة عشر، تأخذ كل زاوية من الزوايا الثلاثة عشر نصيبها، ويأخذ المقدمين القسمة الأخيرة.
يعد الموسم تاريخيا فرصة لنساء المنطقة على وجه الخصوص، للتسوق والتنزه والترويح. كما أن الأطفال يستقبلون الدور بفرح وشوق، ويعدونه مناسبة للترفيه واللعب، فلقد كان الأطفال قديما ولا يزالون يجدون متعتهم في فن الحلقة، وهو عبارة عن عروض كوميدية وحركات بهلوانية وغيرها.. وتقام اليوم منصات للعب في العديد من الأدوار، وهي عبارة عن مدن ألعاب صغيرة يتعاقب عليها الأطفال، كما أنهم يستطيعون اقتناء الألعاب أو استئجارها في كل مكان في أرجاء الموسم .
موسم رجراجة لا يخلوا من طابعه السياحي إذ أن الزوار يتوافدون عليه من كل جهات المملكة وحتى من الخارج، فإنه يعود بنتائج إيجابية على المستوى الاقتصادي، لاسيما بالنسبة للتجار وأصحاب الحرف الذين يتخذون من الدور سوقا حيويا لترويج سلعهم وخدماتهم.
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق