في ذكرى وفاة الفنان صالح الشرقي الشرقاوي: سيد آلة لقانون المغربي الذي غنت له كوكب الشرق أم كلثوم
جمال الملحاني
تحل يوم الأحد القادم، 21 نونبر 2021، الذكرى العاشرة لوفاة الفنان والموسيقار المغربي الكبير صالح الشرقي الشرقاوي، الذي طوع آلة القانون وجعل أوتارها تنصاع لأصابعه المبدعة و ميلودياته الرنانة ذات اللمسة المغربية – العربية الأصيلة، التي بوأته كأحد عمالقة العزف آلة القانون في كل الوطن العربي والإسلامي.. ، الأمر الذي ترك لبصماته الموسيقية صدى كبيرا وخلدها إلى اليوم غربا ومشرقا بفعل قوتها ونفادها إلى الجوارح والأفئدة ..
انطلقت الحياة الفنية للفنان المغربي الراحل، الذي ولد سنة 1923 بمدينة سلا، حيث عاش طفولة صعبة، بعدما عانى اليتم، في أواسط أربعينيات القرن الماضي، بتحفيز ودعم من عازف الكمان المغربي أحمد زنيبر، الذي كان يشكل آنذاك أبا روحيا له، وهو نزيل بإحدى دور الأيتام، حيث تشرب على يديه دروس الموسيقى و العزف خاصة آلة العود، ليلتحق مباشرة بعد ذلك إلى فرقة موسيقية شكلها زنير إلى جانب عدد من الموسيقيين البارعين من قبيل عازف العود المتمكن الراحل عمر الطنطاوي، وعازف الناي علي كاعب، وعازف الفيولونسيل عبد العزيز السباعي، وعازفي الكمان محمد سميرس ومصطفى الحريري وغيرهم.
بعد هاته التجربة انطلق صالح الشرقي الشرقاوي في العزف على آلة القانون، التي جذبته نغماتها ورناتها الموسقية وأوتارها العديدة، فتجاوب معها وتجاوبت معه إلى حد كبير، ليضع، بذلك حدا مع آلة العود، التي كانت بدايته مع عالم الموسيقى ..
في الخمسينيات من القرن الماضي، انضم الراحل صالح الشرقي لجوق الموسيقي العصري للإذاعة المغربية في أول تشكيلته بهاته المؤسسة، وكان يتواجد بها آنذاك العديد من رواد الموسيقى المغربية الراحلين كالفنان عبد النبي الجيراري، وعبد القادر الراشدي، وإسماعيل أحمد، وأحمد البيضاوي، الذي كان أحد المراجع، الذي نال منه صالح الشرقي أصول الموسيقى الشرقية، وآخرين..، لينطلق بذلك مشوار مسيرته اللامعة و المتميزة مع آلة القانون، التي أبدع من خلالها أيما إبداع وصل صداه إلى كل أرجاء الوطن العربي و أكثر..
في هذا الإطار فتح هذا المشوار الموسيقي المتميز الطريق لصالح الشرقي للقاء العديد من مشاهير الغناء والموسيقى العربيين.. كان من بينهم الموسيقار المصري محمد عبد الوهاب سنة 1967. وفي عام 1968 كان له لقاء آخرمع سيدة الطرب العربي الفنانة أم كلثوم، خلال نزولها ضيفة على المملكة المغربة، من أجل إقامة حفلات غنائية، وخلال هذا اللقاء اقترح الفنان إبراهيم القادري على أم كلثوم غناء موشح «يا رسول الله خذ بيدي»، الذي كتب كلماته عبد القادر الجيلاني و لحنه صالح الشرقي تلبية لرغبة جلالة الملك الراحل الحسن الثاني،» وما إن بدأ الجوق في ترديد الموشح – تقول إحدى الروايات- حتى بدأت كوكب الشرق تنصت إلى الأغنية باهتمام كبير واستدعت أحد أعضاء المجموعة الصوتية ليسمعها كلمات القصيدة، ليفاجأ أعضاء الجوق الوطني بقيام أم كلثوم واندماجها في الأداء، ما كان مفاجأة بالنسبة لصالح الشرقي،حيث ارتبك وهو يرى السيدة أم كلثوم بتاريخها الفني تغني قطعة من ألحانه، لتظل ذكرى يفتخر بها هذا الملحن الكبير..»
على هذا المنوال تمكن الفنان المغربي الراحل صالح الشرقي طيلة مشواره الفني المميز بمؤسسة دار الإذاعة و التلفزة بمعية زملائه القدامى من موسيقيين وملحنين، من المساهمة في وضع اللبنات الأولى للأغنية المغربية العصرية، من خلال تأليف كتب موضوعاتية أغنت المكتبة الفنية المغربية والعربية، حيث عمل على تأليف سبعة كتب تؤرخ لتطور الحركة الفنية في المغرب، منها كتاب «القانون في الموسيقى المغربية»، الذي يحتوي على تعريف كامل لآلة القانون، وأهم الخصائص، التي تمتاز بها وكذلك أساليب العزف عليها، والكتاب الثاني «المستظرف في قواعد الفن والموسيقى»، الذي أصبح مرجعا أساسيا لطلاب المعاهد الموسيقية، وكتاب»أضواء على الموسيقى المغربية» الذي يحكي عن البدايات الأولى لرواد الأغنية المغربية، كما ألف كتاب «الموسيقى المغربية» الذي يعتبر مرجعا أساسيا مهما وسجلا توثيقيا للموسيقى المغربية بمختلف أوزانها وإيقاعاتها.
ومن مؤلفاته، أيضا، كتاب « الثلاثي، الرباعي، الخماسي» وهو كتاب يجمع عددا من المقطوعات الموسيقية القديمة والحديثة وهي مدونة بالنوتة بشكل دقيق.
بهذا التاريخ الفني المشرف، ستبقى صورة سيد القانون المغربي صالح الشرقي محفورة في الذاكرة المغربية، كما سيبقى اسمه متألقا، من خلال معزوفاته المتميزة ومؤلفاته الموسيقية الرائدة، التي ساهم بها في خدمة الفن المغربي والعربي الأصيل.
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق