مؤتمر الاتحاد الاشتراكي الاستمرارية والتجديد….
بقلم : د. سعيد جعفر
يقترب مؤتمر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من الانعقاد في ظرفية تتميز من جهة بخصوبة نقاش اتحادي-اتحادي ينطلق رغم كل الحدة التي تطبعه (كانت تطبعه دوما)، وهي حدة ينبغي تفهمها، والتعامل معها بحسن نية، مادامت منطلقها هو إحساس الجميع أننا بصدد تحولات في السياسة والاقتصاد والفكر والمجتمع، تسائل الحزب، وتسائل قدرته على إبداع خط يجمع بين الفكرة الاتحادية الأصيلة التي تشكل هويته السياسية، وبين ضرورة التجديد بما يسمح من مواكبة تطورات كونية أثرت حتى على المجالات القيمية والهوياتية التي عادة ما تتميز بالثبات والسكونية.
ولعل من أبرز التحديات التي ستواجهنا باعتبارنا حزبا من جهة يدعو إلى أن تكون السياسة والحزب تمثيلا للمجتمع وطموحاته، ومن جهة أخرى يدافع عن النظام السياسي الذي تكون فيه الدولة قوية، وفاعلا مركزيا، مما يطرح سؤال علاقة الحزب بالدولة في ظل متغيرين:
الأول: مرتبط بمرور ما يقارب ربع قرن من التوافقات الضمنية والصريحة بين المؤسسة الملكية وبين القوى الديموقراطية على التأسيس لتجربة مغربية في بناء الديموقراطية بتدرج بعيدا عن اعتبار القوى الديموقراطية منافسا للملكية على السلطة، واقتناعا مترجما عمليا من طرف القوى الديموقراطية بمركزية المؤسسة الملكية في أي فعل تغييري نحو مجتمع الحريات والحداثة والتنمية الحقيقية المستدامة.
الثاني: مرتبط بالراهن، في علاقة السياسة والاقتصاد والثقافة بالتحديات التي فرضتها جائحة كورونا، التي أثبتت أهمية الدولة القوية بمؤسساتها القادرة على التدخل الحاسم في ميادين الصحة العمومية، والتعليم، والثقافة، والشغل، والحماية الاجتماعية، من أجل تسييد السلم الاجتماعي وحفظ الحق في الحياة، والتموقع الإيجابي في حركية العلاقات الدولية.
وهي مناسبة لاستحضار روح فقيد الحركة الاتحادية، المشمول برحمة الله، القائد عبد الرحيم بوعبيد، الذي يؤكد السياق الحالي أنه كان منظرا سياسيا سابقا لأوانه.
لقد كان الفقيد عبد الرحيم بوعبيد في محطات كثيرة يجنح نحو التهدئة، أو تفضيل خيار التسويات النبيلة المنتجة، بديلا عن التوتر والتصعيد، ولكن في محطات أخرى كان لا يقبل أنصاف الحلول أو التوافقات المغشوشة.
فحين كان الوضع العالمي يفرض على البلاد مواجهة مؤامرات خارجية تهدد أمنه أو سيادته الترابية أو الاقتصادية أو وحدته الترابية، كان السي عبد الرحيم يجد منافذ للحفاظ على المعارضة الاتحادية في حدود لا تضر المصالح الوطنية، حتى ولو كان الاتحاد الاشتراكي في موقع قوة ميدانية وجماهيرية، وفي سياق دولي قد يساعده على فرض شروطه، وبالتالي كانت المصلحة الوطنية هي التي تحدد اتجاه المعارضة، وليست المصلحة الحزبية.
وفي أحيان أخرى كان على النقيض من ذلك، لا يجد بدا من ممارسة معارضة صارمة إذا حصلت له قناعة بأن قرارا ما هو ضد المصلحة الوطنية، من مثل رفضه لقبول المرحوم الحسن الثاني بالاستفتاء آلية لحل ملف النزاع المفتعل حول صحرائنا الغربية المغربية.
وقد كان العديديون يصفون الراحل عبد الرحيم بوعبيد بالبراغماتي، والحال أنه كان وطنيا، فالغاية عنده لا تبرر الوسيلة، بل الغاية النبيلة عنده هي التي تحدد الأداة النبيلة من مجموع خيارات نبيلة أخرى كانت أمامه.
حين سينعقد المؤتمر الحادي عشر للاتحاد الاشتراكي ستكون قد مرت 100 سنة على ولادة الزعيم الاتحادي الاستثنائي سي عبد الرحيم بوعبيد، و30 سنة على رحيله المفجع لكل العائلة الاتحادية والوطنية، و50 سنة على القرارات التاريخية التي أعلنتها اللجنة الإدارية للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، والتي مهدت لانبعاث حزبي جديد وقوي باسم الاتحاد الاشتراكي سنة بعد ذلك، وهي القرارات التي قال في سياقها القائد عبد الرحيم بوعبيد، ما نجد أنه رسالة متجددة لمن يهمهم الأمر:
« لقد تبين في النهاية، أنه لا يمكن أن يلتقي تصورنا للحزب والنضال مع تصورهم، لأنهم لا يقبلون مناضلين جددا يصعدون من القاعدة، ومناضلو حزبنا يرفضون أن يتحول حزبنا إلى حزب للأكباش، يريدون أن يواصل حزبنا النضال من أجل التحرير والديموقراطية والاشتراكية »
رحم الله السي عبد الرحيم، وسيبقى الاتحاد الاشتراكي لكل مناضلاته ومناضليه الذين يصبرون ويقاومون من أي موقع تنظيمي، وفي أي نقطة ترابية، دون أن يرهنوا بقاءهم أو مغادرتهم بمكاسب ذاتية..
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق