” ماذا لو: برمجت التربية الفنية ضمن مواد التعليم على جميع المستويات “
عبد الرحيم الشافعي
إن الحديث عن مفهوم التربية الفنية لهو حديث و كشف لذات المجتمع الإنساني بكل ما تحمله من علاقات في بعديها المادي و المعنوي، حيث يعتبر الفن ظاهرة اجتماعية تتفاعل مع الظواهر الاجتماعية الأخرى،و هو ذلك الأساس الذي نبحث عنه في صورته الكاملة المثالية، و التي منها تتسرب أشكال و أفكار ذات أبعاد غير محدودة كما هو الشأن بالنسبة لبرمجة التربية الفنية ضمن مواد التعليم الابتدائي والإعدادي و الثانوي،و هذه هي النواحي الأساسية التي تهم الرجل المثقف و خاصة الذي يشتغل بمسائل التربية و التعليم،
فماذا لو تمت برمجة مادة الموسيقى والمسرح والرسم ضمن مواد التعليم على جميع المستويات الابتدائي والإعدادي والثانوي ؟ وكيف سيصبح المجتمع المغربي بعد 15 سنة من الإدماج ؟ هل سنرى جيل يرى الحياة بالألوان ؟ أم سيراها فقط بالأبيض والأسود ؟ و ما السبيل الفرق بين الرؤيتين ؟
في معجم اللغة العربية تعتبر ” ماذا ” حرف أداة وهي كَلِمَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ ” مَا” الاسْتِفْهَامِيَّةِ وَاسْمِ الإِشَارَةِ ذَا، وَمَعْنَاهَا : أَيُّ شَيْء، أما ” لو ” فهي حرف شرط غير جازم يفيد التعليق في الماضي أو المستقبل ، يُستعمل في الامتناع أو في غير الإمكان ، أي : امتناع الجواب لامتناع الشرط،فماذا لو تمت برمجت التربية الفنية ضمن مواد التعليم الإعدادي و الثانوي, سيكون هناك جيل من الفنانين ينيرون المجتمع وهذا جواب شرط أن يدرس التلاميذ الرسم و المسرح و الشعر و الفنون البصرية و المؤلفات و الموسيقى…و هي فنون سبعة.
لا يوجد نشاط إنساني خالد كخلود هذه الفنون،و هي المادة الوحيدة التي تربط الإنسان بالطبيعة في كل تجلياتها، فالتربية الفنية هي السعي إلى تحقيق تربية النمو الشامل والمتكامل لخبرات المتعلمين، لينمو التلميذ نمواً شاملا من مختلف جوانب شخصيته من خلال الفن والأنشطة الفنية المختلفة من فن ورسم وتصوير وتصميم ونجارة وتشكيل فني… وغيرها…
وعلى العكس من ذلك نرى الغياب والامتناع في عدم وجود الشرط الذي هو مادة الفن ضمن مواد التعليم، قد تكون ظاهرة التشرميل جزء لا يتجزأ من غياب ثقافة الفن في المجتمع،وقد تكون ظاهرة الإجرام الذي يمارس في ملاعب الكرة تحت مسمى التشجيع و الكارثة والضرر والوحشية بين عصابات ( الألترا ايكلز و ألتراس وينرز)، غياب الحس الفني، وقد تكون ظاهرة السرقة بالسلاح الأبيض و السرقة بالكلاب ناتجة عن غياب الذوق الفني؟ فماذا لو كان غياب ثقافة الفن سبب من أسباب فساد الإدارات العمومية، وفساد باقي المنظومات…فقد تكون وقد لا تكون و امتناع الجواب يحدث لامتناع الشرط.
يقول هيجل في الجماليات : (( إن الميل الفني وكذلك الابتكار الفني يتطلبان بصفة عامة طاقة جوهرية، لا تكون فيها الحقائق العامة جامدة شبيهة بقانون أو قاعدة،و إنما تكتسب هذه الحقائق فاعليتها بالاتحاد مع النفس والانفعالات)) ، فإذا كان المجتمع المغربي قد تربى تربية فنية على مستوى جميع مستوياته الدراسية التي مر بها، فمن الممكن أن تأخذ جميع سلوكياته وانفعالاته توجها فنيا في التعبير عنها، حيث تصبح الحياة العملية عبارة عن منتجات فنية تحوي جانبا كبيرا من التعبير الجمالي.
تقدر قيمة العمل الفني في ما يعبر عنه أولا، لا بأسلوب التعبير، و لكن في قيمة العمل الفني الخالدة، فالفتاة التي تم اغتصابها في الطفولة، قد تخلد ذكراها في قطعة موسيقية أو لوحة فنية، أو مشهد تراجيدي، فكذلك فعل الذين من قبلهم على مر العصور، تركوا صفات تخلد أفكار عصر خاص، و أمانيه لتستجيب للقدرات الجمالية في العصور التالية التي نراها، وهي في أصلها خلق أفراد وهبوا مهارات فذة أو حساسية غير عادية، فالفن يخلق من الظروف والأحوال التي يعيشها الفرد داخل المجتمع، فماذا لو تلقوا تربية فنية في طفولتهم …
فمن عاش المأساة خلق منها ما يسمى ” التراجيدية” وهي شكل من أشكال العمل الفني، و من جن عقله خطط في الصخور والجدران لوحات أضحت فنا تشكيليا،و من أحب ألقى شعرا، ومن نشط ألف قطعة موسيقى، ومن تأثر بشخص قلده حتى أحدث مشهدا, ومن أعجبته الطبيعة وصفها حتى رأى صورتها… فكذلك فعل اليونان ومن بعدهم أقوام…حولوا حياتهم العملية إلى منتجات فنية، و لولا ثقافتهم الفنية لما أحدثوا شيئا…
إن رؤية الإنسان تختلف حسب تربيته و ثقافته، فمن تربى على الفنون رأى الحياة بالألوان إما قطعة موسيقية أو لوحة تشكيلة أو مسرحية أو صورة فوتوغرافية أو فيلما سينمائيا أو رواية طويلة، أو قصة قصيرة، أو شعر حر أو بالقافية، و من تربى على غير ذلك فلا يرى إلا السواد أو البياض أو عصابات الأخضر و الأحمر، إما قاتلا أو مقتولا…
وكخلاصة يمكن القول أن برمجة التربية الفنية في جميع المستويات الدراسية تبقى غنية بالنقاش ولا يمكن حصرها في بضعة آراء لأنه موضوع تربوي مهم قابل للدراسة اجتماعيا وأدبيا و فنيا وعلميا واقتصاديا و ثقافيا و حتى سياسيا نقول ماذا لو : تمت برمجة مادة الموسيقى والمسرح والرسم ضمن مواد التعليم على جميع المستويات (الابتدائي والإعدادي والثانوي.) بشراكة مع المعاهد والجامعات والمؤسسات الفنية، فتوقع دون شك، جيلا عظيما ينتظرك بعد 15 سنة، يرى مشاكل الحياة بالألوان عوض الأبيض والأسود.”
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق