ما معنى فلسفة محدثة الدكتور السعيد الشوفير …باحث في فلسفة التاريخ الحضاري عند ابن خلدون .
بقلم ياسين تاج ياسين.
ما معنى فلسفة محدثة ، وهو بكل بساطة أن نجد لها تلاميذ يشتغلون حولها ، لدواعي تقتضي ذلك ، وإذا الى تاريخ الفلاسفة نجد الفلسفة الأفلاطونية ، ثم تحديثها في القرن الثالث ميلادي أفلوطين وأستاذه امونيوس وهبيانيا الاسكندراية وبرقلس وغيرهم ، واذا كان هذا هو المعيار فإن الفلسفة الخدونية يصح اليوم أن نتحدث فلسفة اسمها الخلدونية المحدثة، لوجود عدد كبير من الفلاسفة والباحثين من مختلف أقطار العالم ،يشتغلون عليها من خلال أطروحات جامعية ورسائل وكتب ومقالات ،منشورة في مختلف دور النشر ،ويشتغل على الفلسفة مختلف التوجهات الفكرية على تعدد مشاربها ، وهذا ماحصل بالفعل مع فلسفة ابن خلدونية. والفلسفة الرشدية هي نالت من الاهتام ما نالته الخلدونية.
والفلسفتين الرشدية والخلدونية اليوم لم تجد لها من ينصرها، ويرفها إلى حيز التداول الفلسفي المعاصر،ولكن صدمة اللحظة التاريخية ، حالت دون ذلك ، إلا أن منطق التاريخ ومن خلاله ، أن الأحوال متبدلة ومتقلبة ، ولم يمكن أن حال وثيرة واحدة ، لأن الوجود وأحوال المجتمعات في حال تقلب مستمر. وعليه سيأتي اليوم الذي تظهر فيه الرشدية والخلدونية ، كما ظهرت الأفلاطونية مع روادها، وهذه هي سنن التاريخ التعادلية.
ومن المفيد التذكير أن المفكرين والفلاسفة لا يهتم بهم مجتمعاتهم، وهذا عادة بشرية عبر التاريخ،فصاحبنا ابن خلدون ،هو ابن المنطقة المغاربية ، ولكنه ثم نسيانه ولم نجد له ذكر حتى عند أقرب الناس إليه وهم العلماء والفقهاء ، إلا القليل منهم. وهذا يدل أن الرجل عاش غريبا في زمانه ، بل ظل غريبا حتى بعد موته ، ولم يستفيذوا بنوا جلدته من جواهر فكره ، وهذا الذي عطل الفكر وجعل العرب والمسلمون خارج التاريخ ، التاريخ هنا بمعناه الفلسفي. لم يكتشف ابن خلدون إلا الأتراك لما حصل لهم بعض الاضطرابات السياسية في دولتهم ،وثم جاء الفرنسيون بعدهم خلال الاستعمار ليكتشفوا هذا الكنز الثمين.حيت قام كاترومير بطبعها في ثلاث أجزاء سنة 1858، وقام دوسلان بترجمتها بباريس 1862 في ثلاث مجلداث. واعجب بها المستشرقون كثيرا الى درجة الانبهار.
ويقول غوتيه وقد كان أستاذا في جامعة الجزائر، قال إن ابن خلدون هو ومن مصاف القديس اغسطين ” إن هذا المجد الدفين ، يجب أن يبعث ، على الأقل عندنا ، نحن الفرنسين…” ثم انتشر ذكر ابن خلدون مختلف الأوساط الجامعات الأوروبية والأمريكية والكندية.
قال الأستاذ روبرت فلنت في كتابه تاريخ فلسفة التاريخ:” من وجهة علم التاريخ او فلسفة التاريخ ، يتحلى الأدب العربي باسم من ألمع الأسماء . فلا العالم الكلاسيكي في القرون القديمة والعلم المسيحي في القرون الوسطى، يستطيع أن يقدم اسما يضاهي في لمعانه ذلك الاسم . إن أول كاتب في التاريخ ، كموضوع علم خاص هو ابن خلدون”
كتب العالم الاِجتماعي لوديك غومباو فيتش بحثا بعنوان “مفكر عربي في القرن الرابع عشر ، قال فيه:” أن إبن خلدون يجوز أن يعتبر مفكرا عصريا بكل معنى للكلمة من وجوه عديدة… إنه درس الحوادث الإجتماعية بعقل هادئ رزين ، وأبدى في هذا الموضوع، أراء عميقة جدا ليس قبل أوغست كونت فحسب بل قبل فيكو ايضا.”
ونشر إستفانو كولو زيو في مجلة العالم الإسلامي الفرنسية سنة1914 دراسة قال فيها :” ليس لأحد أن ينكر أن إبن خلدون إكتشف مناطق مجهولة في عالم الإجتماع… وإنه سبق مكيافيلي ومونتسكيو وفيكو في النقد التاريخي…” ، ثم قال: ” إن المؤرخ المغربي العظيم إكتشف مبادئ العدالة الإجتماعية والإقتصاد السياسي ، قبل كونسيداران وماركس وباكونين بخمسة قرون ”
ونشر ناتانيل شميت كتابا بعنون “ابن خلدون مؤرخ واجتماعي وفيلسوف”،قال عنه:”إن إبن خلدون إكتشف ميدان التاريخ الحقيقي وطبيعته ، وأنه فيلسوف مثل :أوغست كونت وتوماس ،وهربرت إسبنسر ، وأنه تقدم في علم الإجتماع ،إلى حدود لم يصل إليها كونت نفسه في النصف القرن الأول من القرن التاسع عشر”
ويتحدث المؤرخ الإنجليزي الشهير أرنولد توينبي Arnold tooynbee في كثير من صفحات كتابه “دراسة للتاريخ”، يقول في إبن خلدون أنه من العباقرة، وأنه له سعة في النظر وعمق في البحث ،وقوة في التفكير يقول: إن رجل الأعمال الزائل ، عاد إلى الظهور من عزلته ، وقد تغير شكله نهائيا إلى شكل الفيلسوف الخالد ، الذي لايزال فكره يعيش في عقل كل من يطالعه”
يقول فيشل والتر جوزيف: “وضع إبن خلدون ترجمة حياته فخلّف لنا المصدر الأهم الذي لا غنى عنه لفهم شخصيّته وعمله. ومجرّد أن يرى أبن خلدون أنه من الأهميّة بمكان أن يضع كتابا يروي فيه أحداث حياته، قد يدلّ على أن الرجل كان يدرك، لا أهميّة إختباراته الفريدة فحسب، بل الصلة الوثيقة بين قصّة حياته وبين مآتيه الفكريّة وفلسفته وفضله على علم الإجتماع… حينما قرّر (إبن خلدون) أن يترك هذا الذخر (التعريف) للأجيال التي تأتي بعده، كان يدرك أن إختباراته الفذّة في حياته المليئة بالصور والعبر تستحقّ التدوين.”
واشتهر ابن خلدون في أوروبا و بدأ الطلبة العرب ينجزون بحوثهم الجامعية حول ابن خلدون من رسائل وأطروحات ومقالات، ومن أشهر هؤلاء الطلبة أنداك طه حسين الذي قدم أطروحاته بعنوان : “فلسفة ابن خلدون الاجتماعية”. وذلك سنة1917، ومحسن مهدي الذي قدم أطروحة بعنوان :”فلسفة التاريخ عند ابن خلدون” في جامعة شيكاغو الأمريكية في عام 1954،و علي الوردي قدم أطروحة بعنوان :” تحليل سوسيولوجي لنظرية ابن خلدون: دراسة في علم اجتماع المعرفة” من جامعة تكساس الأمريكية عام 1950 وكتب كتاب سماه :”منطق ابن خلدون في ضوء حضارته وشخصيته ” .1962 ثم توالت الدراسات والبحوث وكثيرة في المشرق.
وأما في المغرب نجد دراسة الأستاذ الراحل محمد عابد الجابري بعنوان :” العصبية والدولة : معالم نظرية في التاريخ الإسلامي “، وهي رسالة دكتوراه له، طبعت سنة 1982 ببيروت .و هو بحق أفضل من اهتم بابن خلدون من المغاربة ، وكتب سالم بن حميش عن ابن خلدون كتابا سماه:”الخلدونية في ضوء فلسفة التاريخ “. وكتب علي اومليل ، كتاب سماه :”الخطاب التاريخي :دراسة لمنهجية ابن خلدون”.
ونجد كذلك من العلماء ممن تنبه الى فكر ابن خلدون ودعا إلى الاهتام به الأستاذ علال الفاسي رحمه الله قال في كتابه النقد الذاتي:” لقد كان ابن خلدون هو أول من ابتكر علم الإجماع، ولو أن المسلمين إستفادوا من إبتكاره وواصلو العمل في الاتجاه الذي وضعه أو غيروه أو أصلحوا، لكان حالهم اليوم حال شعب راق متعلم ولكنهم للأسف أغفلوا آرائه ، ولم ينسجوا على منواله فأصيبوا بالخمود والجمود ،بما أوقعهم في هذه الهوة السحيقة من الجهل والانحطاط”
يتبع…
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق