* ذ. أحمد براو
عرفت نهاية السنة الماضية وبداية هذه السنة انطلاقة نظام رقمي في القنصليات المغربية بالخارج لأخذ المواعيد المسبقة، حيث يتمّ تحديد موعد عبر الإنترنت شخصيا، (بمعنى أنّ لكلّ شخص يطلب تحديد موعد خاص/فرديّ موعد واحد)إمّا للفرد أو أحد أفراد عائلته. وعليه أن يتتبع خطوات ملأ الإستمارة بعد التسجيل الكامل في موقع “rdv.consulat.ma”، كما يجب عليه بعد اختيار الخدمة التي يرجو الحصول عليها أن يُحمّل الوثائق المطلوبة وبعد الإرسال ينتظر الجواب إذا كانت العملية سليمة لكي يختار الموعد المحدد في اليوم الذي يودّ فيه الذهاب للقنصلية، ولا ينسى أن يأخذ نسخة من الوثيقة التي تثبت تحديد الموعد، وأن يأخذ معه كذلك الوثائق الأصلية، وأما في حالة عدم الحضور للموعد أو إلغائه بسبب ظروف خاصة عليه أن يراسل القنصلية عبر البريد الإلكتروني ليعلمهم بذلك حتى يتسنى للعاملين تنظيم المواعيد وتوزيعها بشكل جيد، ويُستحسَن عدم إلغاء الموعد لأكثر من مرتين لنفس الفرد ونفس الخدمة لأنه قد يجد مشكل في أخذ موعد آخر.
كل هذه الخدمات الرقمية هي لسلاسة العمل وتنظيمه بشكل جيد وربح الوقت سواء للمواطنين أو الموظفين، ولكن يبقى العامل الإنساني والتواصل هو الذي يبني العلاقات العامة بين المؤسسات والإدارات القنصلية والمواطنين المغاربة المقيمين بالخارج.
رغم ذلك لازالت الخدمات القنصلية المغربية دون المستوى المطلوب رغم هذا التغيير الطفيف وبعد إحداث الخدمة الرقمية عبر البوابة الإلكترونية من أجل أخذ المواعيد لقضاء العمليات الإدارية الخاصة بمصالح دفع وسحب الجوازات وبطائق التعريف والتسجيل في الدوائر القنصلية وخدمة الوكالات، والخدمات الأسرية كالحالة المدنية والزواج والطلاق وتسجيل المواليد، والعقارات وجثامين الموتى وغيرها، ولذلك وجب تغيير الطريقة التقليدية في الوظيفة الإدارية التي تعتمد على السؤال/جواب حول عدد الوثائق المطلوبة وجمعها والتأكد من صحتها وبعد ذلك السفر والإنتظار، ولذلك يجب الرفع من مستوى الرقمنة لتسريع المساطير وتيسير المهام واختصار الجهد والوقت، خصوصا الآن بعد إحداث وزارة الإنتقال الرقمي والإدارة، فعلى الحكومة المغربية العمل على الإستجابة لهذا المطلب الغاية الأهمية لأنه سيكون جد مناسب، خاصة بعد إلغاء وزارة الجالية وإدماجها مع وزارة الخارجية، وسوف يحدُث بعد الإستجابة لهذا المطلب نقلة خدماتية إدارية حديثة ومتطورة، فلا يعقل أنه لازال المواطن في حاجة إلى التنقلات والسفر وإحضار الوثائق معه للقنصلية على الرغم من امتلاكه لبطاقة التعريف البيومترية التي تحتوى داخلها على كمّ كبير، وبنك معلوماتي متكامل و بداخل البطاقة وثائق هوية تجمع كل ما يتعلق بصاحبها وبعد إدخالها يمكن أن تعطي للموظف كامل المعلومات الشخصية المتعلقة بصاحبها.
لديّ أصدقاء من دول أخرى عديدة تمكنّت من تجاوز الطرق التقليدية في عمل الإدارات القنصلية لبلدانها وأصبحت في غنىً عن طرُقٍ أَكلَ عليها الدهر وشرب، ونحن نقترب من نهاية الربع الأول من القرن الواحد والعشرين، مثلا دولة مثل باكستان كما يحدثني أحد الرفاق من ذلك البلد وهو يتعجب بتهكم عليّ، كيف أن دولة مثل المغرب لازالت تعتمد على هذه الطرق البالية في نظره من أجل قضاء مصالح المواطنين المغاربة المقيمين بالخارج عند حاجتهم لخدمات قنصلية بديهية، وأخبرني أن الباكستاني الآن يمكن له وهو من داخل بيته عبر الإنترنت أن يحصل على أي وثيقة من القنصلية كيفما كان نوعها، فقط بإرسال بطاقة التعريف الوطنية الإلكترونية البيومترية، ودون أن يتنقل لمقر القنصلية يمكن أن يبعث كل ما تحتاجه الإدارة وحتى الإمضاء الإلكتروني وأخذ البصمات وأداء الرسوم والضرائب. وبعد ذلك تتم الخدمة عن بعد ويرسلونها عبر ساعي البريد المضمون DHL، فيصل الجواز أو بطاقة الهوية أو أي وثيقة إدارية أخرى حتى مقر إقامته.
للإشارة فالخدمات القنصلية بالطريقة التقليدية زيادة على على أنها مكلفة ومرهقة سواء للموظفين أو المواطنين فهي تستنزف الوقت والطاقة البدنية والعقلية والنفسية وتترك الجميع في معاناة بسبب الإجهاد والقلق وفي بعض الأحيان تنشب مشاكل بسبب المشاداة والصراخ، كما أنها كذلك تفتح الأبواب للسماسرة الإستغلاليين والمرتشين للعبث والسرقة والتحايل على المواطنين البسطاء، والأميين الذين لا يكتبون ويقرؤون وما أكثرهم خصوصا هنا في إيطاليا.
والمسألة الأكبر في مساوئ العملية التقليدية أنها لا تترك أي مجال للإبداع ولاتساعد في تنويع شغل البعثات القنصلية لأداء مصالح أخرى للجالية والتي هي من صميم مهامها، خصوصا مكاتب المصالح الإجتماعية والثقافية والإقتصادية والقضائية وغيرها مما يجب عليها تغطيتها والتفرغ لها والعمل مع الفاعلين في المجتمع المدني والجمعيات الثقافية والتطوعية للتعاون والتشاور وخلق روابط بين الإدارة والمواطنين تمكن من بناء الثقة بين المهاجر المغربي وممثلي الحكومة والبلد الذي هو في حاجة ماسة لرعاياه لكي يكون ورقة قوية للدفاع عن المصالح والقضايا الوطنية ولربطهم بالوطن الأم وتشبثهم بالهوية والثقافة واللغة والدين والتقاليد المغربية.
هذه مجرد اقتراحات قابلة للتطبيق ولا تحتاج إلى الكثير من الإمكانيات المادية لكي تتنزّل على أرض الواقع، بل فقط تحتاج للهمم والإرادات عند المسؤولين عن هذا الشأن، وكذلك لبعض الكفاءات الإدارية والعلمية والتقنية، وهذا اسثمار متوسط وطويل المدى لأنه سيعود بالفضل والنفع في مستويات عدة، وسيحقق نتائج مرتبطة ببعضها البعض، حتما ستظهر مستقبلا على أرض الواقع وترفع من قيمة بلدنا الغالي المغرب وتحسّن سمعته، وتحل العديد من المشاكل والعوائق التي تكبّل مساره في ملف المغاربة المقيمين بالخارج.
*كاتب صحفي ورئيس فوروم مغاربة كالابريا بجنوب إيطاليا
Share this content:
إرسال التعليق